وَيَسْتَسْعِيهِ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، لِأَنَّ الْأَلْفَ مُسْتَحَقٌّ بِرَأْسِ الْمَالِ وَالْخَمْسَمِائَةِ رِبْحٌ وَالرِّبْحَ بَيْنَهُمَا فَلِهَذَا يَسْعَى لَهُ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ.
ثُمَّ إِذَا قَبَضَ رَبُ الْمَالِ الْأَلْفَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَّعِيَ نِصْفَ قِيمَةِ الْأُمِّ لِأَنَّ الْأَلْفَ الْمَأْخُوذَ لَمَّا اسْتُحِقَّ بِرَأْسِ الْمَالِ لِكَوْنِهِ مُقَدَّمًا فِي الِاسْتِيفَاءِ ظَهَرَ أَنَّ الْجَارِيَةَ كُلَّهَا رِبْحٌ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ دَعْوَةٌ صَحِيحَةٌ لِاحْتِمَالِ الْفِرَاشِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ وَتَوَقَّفَ نَفَاذُهَا لِفَقْدِ الْمِلْكِ، فَإِذَا ظَهَرَ الْمِلْكُ نَفَذَتْ تِلْكَ الدَّعْوَةُ وَصَارَتِ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَضْمَنُ نَصِيبَ رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ تَمَلُّكٍ وَضَمَانُ التَّمَلُّكِ لَا يَسْتَدْعِيَ صُنْعًا كَمَا إِذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً بِالنِّكَاحِ ثُمَّ مَلَكَهَا هُوَ وَغَيْرُهُ وِرَاثَةً يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ كَذَا هَذَا؛ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْوَلَدِ عَلَى مَا مَرَّ.
أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى حَالَةِ إِعْسَارِهِ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: وَيَسْتَسْعِيهِ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ مُسْتَحَقٌّ بِرَأْسِ الْمَالِ وَالْخَمْسمِائَةُ رِبْحٌ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا، فَلِهَذَا يَسْعَى لَهُ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ). قَالَ فِي الْكَافِي: فَإِنْ قِيلَ: لِمَاذَا لَا تُجْعَلُ الْأُمَّةُ رَأْسَ الْمَالِ وَجَمِيعَ الْوَلَدِ رِبْحًا؟ قُلْنَا: لِأَنَّ مَا يَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ مِنَ السِّعَايَةِ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ وَالْأُمَّةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ، فَكَانَ تَعْيِينُ الْأَلْفِ مِنَ السِّعَايَةِ لِرَأْسِ الْمَالِ أُولَى اهـ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ فِي هَذَا السُّؤَالِ وَهَذَا الْجَوَابِ عَامَّةُ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ الْمَزْبُورَيْنِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا إِذَا جَعَلْنَا الْجَارِيَةَ رَأْسَ الْمَالِ وَقَدْ عُتِقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ وَجَبْتْ قِيمَتُهَا عَلَى الْمُضَارِبِ وَهِيَ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ، اهـ.
أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ جِدًّا؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَا الْجَارِيَةَ رَأْسَ الْمَالِ لَمْ تُعْتَقْ بِالِاسْتِيلَادِ؛ لَأَنَّ مِنْ شَرْطِ كَوْنِهَا أَمُّ وَلَدٍ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَكُونَ الْمُضَارِبُ مَالِكًا لَهَا، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تُجْعَلَ هِيَ رَأْسُ الْمَالِ تَكُونُ مَمْلُوكَةً لِرَبِّ الْمَالِ دُونَ الْمُضَارِبِ فَلَا تَصِيرُ أَمَّ وَلَدٍ لِلْمَضَارِبِ وَلَا تُعْتَقُ فَلَا تَجِبُ قِيَمَتُهَا عَلَى الْمُضَارِبِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُجَانَسَةُ وَهَذَا مَعَ ظُهُورِهِ جِدًّا كَيْفَ خُفِيَ عَلَى صَاحِبِ الْعِنَايَةِ. فَأَوْرَدَ النَّظَرَ الْمَزْبُورَ عَلَى الْجَوَابِ الَّذِي ارْتَضَاهُ جُمْهُورُ الثِّقَاتِ كَصَاحِبِ الْكَافِي وَشُرَّاحِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَالَ فِي دَفْعِ النَّظَرِ الْمَزْبُورِ وَجَوَابِهِ: إِنَّ الِاسْتِسْعَاءَ مُقَدَّمٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ أَصْلٌ فِي الدَّعْوَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْأُمَّ تَتْبَعُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادَ الْمُجِيبِ هَذَا، اهـ.
أَقُولُ: الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَّرَهُ هَذَا الْقَائِلُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَلَى أَصْلِ السُّؤَالِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُصَنَّفُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْأَلْفَ الْمَأْخُوذَ لِمَا اسْتَحَقَّ بِرَأْسِ الْمَالِ لِكَوْنِهِ مُقَدَّمًا فِي الِاسْتِيفَاءِ ظَهَرَ أَنَّ الْجَارِيَةَ كُلَّهَا رِبْحٌ فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا، اهـ. إِلَّا أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا لِلْجَيْبِ بِالْجَوَابِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّظَرِ؛ إِذْ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ هَذَا لَمَا تَرَكَ ذِكْرَهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَتَشَبَّثَ بِمُنَاسَبَةِ الْمُجَانَسَةِ الَّتِي لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي تَمْشِيَةِ هَذَا الْجَوَابِ؛ إِذِ التَّقَدُّمُ فِي الِاسْتِسْعَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ أَمْرٌ مُسْتَقِلٌّ فِي اقْتِضَاءِ كَوْنِ الْأَلْفِ الْمَأْخُوذِ مِنَ الْوَلَدِ رَأْسَ الْمَالِ دُونَ الْجَارِيَةِ. وَنَظَرُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ عَلَى ذَلِكَ الْجَوَابِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمُجَانَسَةِ فَلَا يَدْفَعُهُ هَذَا الْجَوَابُ. وَإِنَّمَا الدَّافِعُ الْقَاطِعُ لَهُ مَا حَقَّقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. ثُمَّ إِنَّ الشَّارِحَ الْعَيْنِيَّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَصْلَ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ الْمَزْبُورَيْنِ نَقْلًا عَنِ الْكَافِي، وَبَعْدَ أَنْ ذَكَرَ نَظَرَ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ عَلَى ذَلِكَ الْجَوَابِ نَقْلًا عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: الْوَلَدُ زَاحَمَهَا فَتُرَجِّحُ بِسَبَبِ ظُهُورِ الرِّبْحِ مِنْ جِهَتِهِ، اهـ.
أَقُولُ: لَا يُرَى لِهَذَا مَعْنًى مُفِيدٌ. فَإِنَّ ظُهُورَ الرِّبْحِ مِنْ جِهَتِهِ لَا يَقْتَضِي رُجْحَانَ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ هُوَ الْأَلْفُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ دُونَ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ. بَلِ الْأَلْفِ الْمُنَاسِبِ لِظُهُورِ الرِّبْحِ مِنْ جِهَتِهِ أَنْ يَكُونَ الْأَلْفُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ أَيْضًا مِنَ الرِّبْحِ تَأَمَّلْ تَقِفْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute