للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ فَيَنْتَظِمُهُ إِطْلَاقُ الْعَقْدِ إِلَّا إِذَا بَاعَ إِلَى أَجَلٍ لَا يَبِيعُ التُّجَّارُ إِلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ الْأَمْرَ الْعَامَّ الْمَعْرُوفَ بَيْنَ النَّاسِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سَفِينَةً لِلرُّكُوبِ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَكْرِيَهَا اعْتِبَارًا لِعَادَةِ التُّجَّارِ، وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِ الْمُضَارَبَةِ فِي التِّجَارَةِ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ.

وَلَوْ بَاعَ بِالنَّقْدِ ثُمَّ أَخَّرَ الثَّمَنَ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ ذَلِكَ فَالْمُضَارِبُ أَوْلَى، إِلَّا أَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُقَايِلَ ثُمَّ يَبِيعَ نَسِيئَةً، وَلَا كَذَلِكَ الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ.

وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ ثُمَّ الْبَيْعَ بِالنَّسَاءِ. بِخِلَافِ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ. وَلَوِ احْتَالَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ أَوِ الْأَعْسَرِ جَازَ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ يَحْتَالُ بِمَالِ الْيَتِيمِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَنْظَرُ، لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: نَوْعٌ يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُضَارَبَةِ وَتَوَابِعِهَا وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، وَمِنْ جُمْلَتِهِ التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَالرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ لِأَنَّهُ إِيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ وَالْإِجَارَةُ وَالِاسْتِئْجَارُ وَالْإِيدَاعُ وَالْإِبْضَاعُ وَالْمُسَافَرَةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ.

وَنَوْعٌ لَا يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَيَمْلِكُهُ إِذَا قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ، وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ فَيَلْحَقَ عِنْدَ وُجُودِ الدَّلَالَةِ، وَذَلِكَ مِثْلُ دَفْعِ الْمَالِ مُضَارَبَةً أَوْ شَرِكَةً إِلَى غَيْرِهِ وَخَلْطِ مَالِ

عِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِذَا صَحَّتِ الْمُضَارَبَةُ مُطْلَقَةً جَازَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ وَيُوَكِّلَ وَيُسَافِرَ وَيُبْضِعَ وَيُودِعَ، إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ الْفَصْلَ هُنَا لِزِيَادَةِ الْإِفَادَةِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ هُنَا مَا لَمْ يَذْكُرْ ثَمَّةَ، انْتَهَى.

أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ الْفَصْلَ هُنَا لِزِيَادَةِ الْإِفَادَةِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ هُنَا مَا لَمْ يَذْكُرْ ثَمَّةَ لَا يُجْدِي شَيْئًا فِي دَفْعِ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْإِفَادَةِ إِنَّمَا تَقْتَضِي أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، بَلْ بِذَكَرِ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرَ هُنَا وَمَا ذَكَرَ ثَمَّةَ وَلَا تَقْتَضِي أَنْ يَذْكُرَ بَعْضَهَا ثَمَّةَ وَبَعْضَهَا هُنَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ فَبَقِيَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ عَلَى حَالِهِ تَبَصَّرْ.

وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ: ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي أَوَّلِ الْمُضَارَبَةِ مِنْ أَفْعَالِ الْمُضَارِبِ زِيَادَةً لِلْإِفَادَةِ وَتَنْبِيهًا عَلَى مَقْصُودِيَّةِ أَفْعَالِ الْمُضَارِبِ بِالْإِعَادَةِ، انْتَهَى.

أَقُولُ: لَا يُرَدُّ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ مَا يُرَدُّ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ فِيهِ شَيْءٌ آخَرُ يَجِبُ حَلُّهُ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَتَنْبِيهًا عَلَى مَقْصُودِيَّةِ أَفْعَالِ الْمُضَارِبِ بِالْإِعَادَةِ يُنَافِي فِي الظَّاهِرِ قَوْلَهُ ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ، مَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي أَوَّلِ الْمُضَارَبَةِ مِنْ أَفْعَالِ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ تَقْتَضِي الذِّكْرَ مَرَّةً أُولَى، وَقَدْ قَالَ أَوَّلًا مَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي أَوَّلِ الْمُضَارَبَةِ مِنْ أَفْعَالِ الْمُضَارِبِ. وَحَلُّ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِعَادَةِ إِعَادَةُ جِنْسِ أَفْعَالِ الْمُضَارِبِ لَا إِعَادَةَ خُصُوصِ مَا ذَكَرَ هَاهُنَا، وَإِعَادَةُ جِنْسِهَا إِنَّمَا تَقْتَضِي ذِكْرَ جِنْسِهَا مَرَّةً أُولَى لَا ذِكْرَ خُصُوصَ مَا يُعَادُ مِنْ جِنْسِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>