لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظَةِ الْإِبَاحَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ضَرْبُ الْمُدَّةِ، وَمَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ التَّمْلِيكُ وَلِذَلِكَ يَعْمَلُ فِيهَا النَّهْيُ، وَلَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ مِنْ غَيْرِهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ، فَإِنَّ الْعَارِيَّةَ مِنْ الْعَرِيَّةِ وَهِيَ الْعَطِيَّةِ وَلِهَذَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ، وَالْمَنَافِعُ قَابِلَةٌ لِلْمِلْكِ كَالْأَعْيَانِ. وَالتَّمْلِيكُ نَوْعَانِ: بِعِوَضٍ، وَبِغَيْرِ عِوَضٍ. ثُمَّ الْأَعْيَانُ تَقْبَلُ النَّوْعَيْنِ، فَكَذَا
بِمِلْكِ الْغَيْرِ، وَسَيَأْتِي دَلِيلُ الطَّرَفَيْنِ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ فَإِنَّ الْعَارِيَّةَ مِنْ الْعَرِيَّةِ، وَهِيَ الْعَطِيَّةِ وَلِهَذَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ إلَخْ) أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ لِلْخَصْمِ أَنْ يَمْنَعَ كَوْنَ الْعَارِيَّةِ مِنْ الْعَرِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْعَطِيَّةُ، وَيَقُولُ بَلْ هِيَ مِنْ الْعَارِ كَمَا ذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ، أَوْ مِنْ الْعَارَةِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ، أَوْ مِنْ التَّعَاوُرِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ. وَعَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ ثِقَاتِ الْأَئِمَّةِ لَا يَثْبُتُ إنْبَاءُ لَفْظِ الْعَارِيَّةِ عَنْ التَّمْلِيكِ.
وَثَانِيهِمَا أَنَّ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: انْعِقَادُ الْعَارِيَّةِ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهَا بِمَعْنَى التَّمْلِيكِ دُونَ الْإِبَاحَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ التَّمْلِيكِ هُنَاكَ مُسْتَعَارًا لِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ لِعَلَاقَةِ لُزُومِ الْإِبَاحَةِ لِلتَّمْلِيكِ كَمَا قُلْتُمْ فِي الْجَوَابِ عَنْ انْعِقَادِهَا بِلَفْظَةِ الْإِبَاحَةِ: إنَّ لَفْظَةَ الْإِبَاحَةِ اُسْتُعِيرَتْ لِلتَّمْلِيكِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلِ أَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ فِي التَّعْرِيفَاتِ وَهِيَ لَا تَقْبَلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُعَرِّفَ إذَا عَرَّفَ شَيْئًا بِالْجَامِعِ وَالْمَانِعِ، فَإِنْ سَلِمَ مِنْ النَّقْضِ فَذَاكَ، وَإِنْ انْتَقَضَ بِكَوْنِهِ غَيْرَ جَامِعٍ أَوْ مَانِعٍ يُجَابُ عَنْ النَّقْضِ إنْ أَمْكَنَ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال فَإِنَّمَا يَكُونُ فِي التَّصْدِيقَاتِ.
وَالثَّانِي أَنَّهُ قِيَاسٌ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْقِيَاسِ تَعْدِيَةَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ بِعَيْنِهِ إلَى فَرْعٍ هُوَ نَظِيرُهُ وَلَا نَصَّ فِيهِ، وَالْمَوْضُوعَاتُ لَيْسَتْ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ. وَالثَّالِثِ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ مُتَعَدِّيًا إلَى فَرْعٍ هُوَ نَظِيرُهُ، وَالْمَنَافِعُ لَيْسَتْ نَظِيرَ الْأَعْيَانِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَوْجُهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute