قَالَ: (وَإِذَا وَهَبَ الْأَبُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ هِبَةً مَلَكَهَا الِابْنُ بِالْعَقْدِ)؛ لِأَنَّهُ فِي قَبْضِ الْأَبِ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْهِبَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ مُودِعِهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَرْهُونًا أَوْ مَغْصُوبًا أَوْ مَبِيعًا بَيْعًا فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَالصَّدَقَةُ فِي هَذَا مِثْلُ الْهِبَةِ، وَكَذَا إذَا وَهَبَتْ لَهُ أُمُّهُ وَهُوَ فِي عِيَالِهَا وَالْأَبُ مَيِّتٌ وَلَا وَصِيَّ لَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ يَعُولُهُ.
قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ رَفْعًا لِلْفَسَادِ، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَوَهَبَهُ إيَّاهُ فَوَهَبَهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَعْدَ أَنْ فَسَخَ الْعَقْدَ فَحِينَئِذٍ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْبَائِعِ فَتَصِحُّ هِبَتُهُ إيَّاهُ، بَلْ لَا يَبْعُدُ أَنْ تُجْعَلَ نَفْسُ الْهِبَةِ فَسْخًا لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ اقْتِضَاءً، وَقَصَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ تَوْجِيهَ هَذَا الْمَحَلِّ بِوَجْهٍ آخَرَ فَقَيَّدَ قَوْلَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَوْ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ بِقَوْلِهِ بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ وَقَالَ: فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْمَقْبُوضَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَكُونُ مِلْكًا لِلْقَابِضِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ بَعْدَ أَسْطُرٍ فَكَيْفَ تَصِحُّ هِبَتُهُ. اهـ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْنَةٍ أَنَّهُ لَا حَاصِلَ لِمَا ذَكَرَهُ، إذَا لَا يُتَصَوَّرُ بَيْعٌ فَاسِدٌ بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُطْلَقًا لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ، وَالْإِيجَابُ هُوَ الْإِذْنُ مِنْ الْبَائِعِ. لَا يُقَالُ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْبَائِعِ فِي قَوْلِهِ بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ هُوَ الْمَالِكُ فَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ فُضُولِيٌّ مَالَ أَحَدٍ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ بَيْعًا فَاسِدًا وَيَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي. لِإِنَّا نَقُولُ: فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي ذَلِكَ يَكُونُ الْبَيْعُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ: أَيْ الْمَالِكِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ لَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ أَصْلًا، فَتَكُونُ يَدُ الْقَابِضِ يَدَ الْغَصْبِ أَوْ يَدَ الْأَمَانَةِ لَا يَدَ الْقَبْضِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ تَدَبُّرٌ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ يَعُولُهُ) أَيْ قَبْضُ الْهِبَةِ؛ لِأَجْلِ الْيَتِيمِ يَصِحُّ مِنْ كُلِّ مَنْ يَعُولُهُ نَحْوَ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْأَجْنَبِيِّ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمَنْ يَحْذُو حَذْوَهُ بَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ: أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ جَوَازَ قَبْضِ هَؤُلَاءِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ وَمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ وِلَايَةَ الْقَبْضِ لِهَؤُلَاءِ إذَا لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَهُمْ الْأَبُ وَوَصِيُّهُ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ بَعْدَ الْأَبِ وَوَصِيُّهُ، فَأَمَّا مَعَ وُجُودِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَلَا، سَوَاءٌ كَانَ الصَّبِيُّ فِي عِيَالِ الْقَابِضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute