وَلَوْ وَهَبَ لِرَجُلَيْنِ دَارًا لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَاهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ. وَلَوْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا نِصْفُهَا وَلِلْآخَرِ نِصْفُهَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ، فَأَبُو حَنِيفَةَ مُرَّ عَلَى أَصْلِهِ، وَكَذَا مُحَمَّدٌ.
ثَبَتَ الْمِلْكُ مُشَاعًا، وَهُوَ حُكْمُ التَّمْلِيكِ ثَبَتَ التَّمْلِيكُ كَذَلِكَ، إذْ الْحُكْمُ يَثْبُتُ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ، وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ مِنْ جَانِبِ الْمِلْكِ انْتَهَى. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ كَانَ تَقْرِيرُ الدَّلِيلِ مَا حَرَّرَهُ الشَّارِحُ لَغَا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَيَكُونُ التَّمْلِيكُ كَذَلِكَ، وَقَالَ: وَالظَّاهِرُ مِنْ مَسَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ كِلَا الدَّلِيلَيْنِ اسْتِدْلَالٌ مِنْ جَانِبِ التَّمْلِيكِ انْتَهَى. أَقُولُ: كَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ: وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ مِنْ جَانِبِ الْمِلْكِ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ يَتِمُّ بِجَانِبِ الْمِلْكِ فَقَطْ، فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَغَا حِينَئِذٍ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَيَكُونُ التَّمْلِيكُ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ مَبْدَأَ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ هُوَ جَانِبُ الْمِلْكِ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ مِنْ الِابْتِدَائِيَّةُ فِي قَوْلِهِ مِنْ جَانِبِ الْمِلْكِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ كَوْنُ التَّمْلِيكِ أَيْضًا كَذَلِكَ فَيَحْصُلُ مِنْ الْمَجْمُوعِ تَمَامُ الدَّلِيلِ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَالظَّاهِرُ مِنْ مَسَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ كِلَا الدَّلِيلَيْنِ اسْتِدْلَالٌ مِنْ جَانِبِ التَّمْلِيكِ مَمْنُوعٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ فِي الْكِتَابِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ وَهَبَ لِرَجُلَيْنِ دَارًا لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَاهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ. وَلَوْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا نِصْفُهَا وَلِلْآخَرِ نِصْفُهَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ) اعْلَمْ أَنَّ التَّفْصِيلَ فِي الْهِبَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ الْإِجْمَالِ، أَوْ يَكُونَ بَعْدَ الْإِجْمَالِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ، سَوَاءٌ كَانَ التَّفْصِيلُ بِالتَّفْضِيلِ كَالثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ أَوْ بِالتَّسَاوِي كَالتَّنْصِيفِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُتَفَاضِلًا أَوْ مُتَسَاوِيًا وَجَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مُطْلَقًا، وَفَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ الْمُفَاضَلَةِ وَالْمُسَاوَاةِ؛ فَفِي الْمُفَاضَلَةِ لَمْ يُجَوِّزْ وَفِي الْمُسَاوَاةِ جَوَّزَ فِي رِوَايَةٍ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ جَعَلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا نِصْفُهَا وَلِلْآخَرِ نِصْفُهَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ تَفْصِيلًا ابْتِدَائِيًّا حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ فَصَلَ ابْتِدَائِيًّا بِالتَّنْصِيفِ مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ الْإِجْمَالِ بِأَنْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا وَهَبْت لِهَذَا نِصْفَ الدَّارِ وَلِهَذَا نِصْفَهَا لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا ذَكَرَ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَالْإِيضَاحِ وَغَيْرِهِمَا، وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute