فَكَانَ آمِرًا بِشِرَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ الشِّرَاءُ بِهَا مُوَافَقَةً وَبِأَقَلَّ مِنْهَا مُخَالَفَةً إلَى خَيْرٍ وَالزِّيَادَةُ إلَى شَرٍّ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ فَلَا يَجُوزُ (إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ بِبَقِيَّةِ الْأَلْفِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا اسْتِحْسَانًا)؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْأَوَّلِ قَائِمٌ وَقَدْ حَصَلَ غَرَضُهُ الْمُصَرَّحُ بِهِ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْعَبْدَيْنِ بِالْأَلْفِ وَمَا ثَبَتَ الِانْقِسَامُ إلَّا دَلَالَةً وَالصَّرِيحُ يَفُوقُهَا (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْأَلْفِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْأَلْفِ مَا يُشْتَرَى بِمِثْلِهِ الْبَاقِي جَازَ)؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ لَكِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ وَهُوَ فِيمَا قُلْنَا، وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْأَلْفِ بَاقِيَةٌ يُشْتَرَى بِمِثْلِهَا الْبَاقِي لِيُمْكِنَهُ تَحْصِيلُ غَرَضِ الْآمِرِ.
فَكَانَ آمِرًا بِشِرَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةِ، ثُمَّ الشِّرَاءُ بِهَا) أَيْ بِخَمْسِمِائَةِ (مُوَافَقَةً) لِأَمْرِ الْآمِرِ (وَبِأَقَلَّ مِنْهَا) أَيْ بِالشِّرَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ (مُخَالَفَةً إلَى خَيْرٍ) فَيَجُوزُ (وَبِالزِّيَادَةِ إلَى شَرٍّ) أَيْ الشِّرَاءُ بِالزِّيَادَةِ مُخَالَفَةٌ إلَى شَرٍّ (قَلَّتْ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ فَلَا يَجُوزُ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: احْتَمَلَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا اخْتِلَافَ فِيهَا؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا قَالَ لَمْ يَجُزْ شِرَاؤُهُ عَلَى الْآمِرِ إذَا زَادَ زِيَادَةً لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهَا. وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَا فِي الَّذِي يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْآمِرُ، فَإِذَا حُمِلَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ، وَاحْتُمِلَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا اخْتِلَافٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا زَادَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا لَا يَجُوزُ عَلَى الْآمِرِ، وَفِي قَوْلِهِمَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ قَلِيلَةً انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إنَّ بَعْضَ مَشَايِخِنَا قَالُوا: لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ كَثِيرَةً بِحَيْثُ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهَا، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ قَلِيلَةً بِحَيْثُ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَسْمِيَةَ فِي حَقِّ هَذَا الْوَاحِدِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ لَهُ وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَاشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ جَازَ كَذَا هَاهُنَا. ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الِاخْتِلَافِ، فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْجَوَابَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفَصَّلَهُ عَلَى قَوْلِهِمَا انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ اخْتَارَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ حَيْثُ قَالَ: وَبِالزِّيَادَةِ إلَى شَرٍّ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ فَلَا يَجُوزُ (إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ بِبَقِيَّةِ الْأَلْفِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا) فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ وَيَلْزَمُ الْآمِرُ (اسْتِحْسَانًا) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ جَوَابَ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْآمِرُ لِثُبُوتِ الْمُخَالَفَةِ، وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ شِرَاءَ الْأَوَّلِ قَائِمٌ) يَعْنِي أَنَّ شِرَاءَ الْعَبْدِ الْأَوَّلِ قَائِمٌ لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ بِالْخُصُومَةِ (وَقَدْ حَصَلَ غَرَضُهُ الْمُصَرَّحُ بِهِ) أَيْ وَقَدْ حَصَلَ عِنْدَ اشْتِرَاءِ الْبَاقِي غَرَضُ الْأَوَّلِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ (وَهُوَ تَحْصِيلُ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ وَمَا ثَبَتَ الِانْقِسَامُ) أَيْ لَمْ يَثْبُتْ (إلَّا دَلَالَةً وَالصَّرِيحُ يَفُوقُهَا) أَيْ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ: يَعْنِي أَنَّ الِانْقِسَامَ بِالسَّوِيَّةِ إنَّمَا كَانَ ثَابِتًا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ، وَإِذَا جَاءَ الصَّرِيحُ وَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِ بَطَلَتْ الدَّلَالَةُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْأَلْفِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَقَدْ بَقِيَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ (مِنْ الْأَلْفِ مَا يُشْتَرَى بِمِثْلِهِ الْبَاقِي جَازَ) وَلَزِمَ الْآمِرُ (لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ) أَيْ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِخَمْسِمِائَةٍ (لَكِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ وَهُوَ) أَيْ الْمُتَعَارَفُ (فِيمَا قُلْنَا) أَيْ فِيمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ (وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْأَلْفِ بَاقِيَةٌ يُشْتَرَى بِمِثْلِهَا الْبَاقِي) مِنْ الْعَبْدَيْنِ (لِيُمْكِنَهُ) أَيْ لِيُمْكِنَ الْمَأْمُورُ (تَحْصِيلَ غَرَضِ الْآمِرِ) وَهُوَ تَمَلُّكُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute