للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسِ فِي اللُّبْسِ (وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا فُلَانٌ أَوْ يَلْبَسَ الثَّوْبَ فُلَانٌ فَأَرْكَبَهَا غَيْرَهُ أَوْ أَلْبَسَهُ غَيْرَهُ فَعَطِبَ كَانَ ضَامِنًا)؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ فَصَحَّ التَّعْيِينُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ لِمَا ذَكَرْنَا. فَأَمَّا الْعَقَارُ وَمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ إذَا شَرَطَ سُكْنَى وَاحِدٍ فَلَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ غَيْرُ مُفِيدٍ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ الَّذِي يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ، وَاَلَّذِي يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ خَارِجٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. قَالَ: (وَإِنْ سَمَّى نَوْعًا وَقَدْرًا مَعْلُومًا يَحْمِلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ خَمْسَةُ أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَا هُوَ مِثْلُ الْحِنْطَةِ فِي الضَّرَرِ أَوْ أَقَلُّ كَالشَّعِيرِ وَالسِّمْسِمِ)؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ تَحْتَ الْإِذْنِ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ، أَوْ لِكَوْنِهِ خَيْرًا مِنْ الْأَوَّلِ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْ الْحِنْطَةِ كَالْمِلْحِ وَالْحَدِيدِ)

يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَجِبُ الْمُسَمَّى وَيَتَعَيَّنُ أَوَّلُ مَنْ رَكِبَ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مُرَادًا مِنْ الْأَصْلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى رُكُوبِهِ ابْتِدَاءً. وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ؛ لِأَنَّهُ تَعْيِينٌ مُفِيدٌ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ فَإِنْ تَعَدَّى صَارَ ضَامِنًا وَحُكْمُ الْحَمْلِ كَحُكْمِ الرُّكُوبِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ كَذَا قَالُوا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشُّرَّاحَ افْتَرَقُوا فِي تَعْيِينِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الْقُدُورِيِّ: فَإِنْ أَطْلَقَ الرُّكُوبَ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ مَنْ شَاءَ، أَيُّ وَجْهٍ مِنْ هَاتِيكَ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ، فَجَزَمَ فِرْقَةٌ مِنْهُمْ كَتَاجِ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبَيْ الْغَايَةِ، وَالْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ تُرْكِبَ مَنْ شِئْتَ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ التَّعْمِيمُ بِدُونِ التَّقْيِيدِ بِرُكُوبِ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ الزَّاهِدِيُّ وَالْإِمَامُ أَبُو نَصْرٍ الْأَقْطَعُ فِي شَرْحَيْهِمَا لِمُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ، وَجَوَّزَ فِرْقَةٌ أُخْرَى مِنْهُمْ كَأَصْحَابِ النِّهَايَةِ، وَالْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ الْحَمْلَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا آخِرُ أَحْوَالِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ انْقِلَابُ الْعَقْدِ إلَى الْجَوَازِ بَعْدَمَا وَقَعَ فَاسِدًا بِأَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنْ أَطْلَقَ الرُّكُوبَ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ مَنْ شَاءَ لَوْ أَرْكَبَ مَنْ شَاءَ يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ إلَى الْجَوَازِ بَعْدَمَا وَقَعَ فَاسِدًا.

وَثَانِيهِمَا الْوَجْهُ الثَّانِي كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. إذَا عَرَفْتَ هَذَا فَأَقُولُ إنَّ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَعْنِي قَوْلَهُ فَإِنْ أَطْلَقَ الرُّكُوبَ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ مَنْ شَاءَ بِقَوْلِهِ عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ يَقْتَضِي أَنْ يَحْمِلَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَشَّى عِنْدَ الْحَمْلِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي لَا عِنْدَ الْحَمْلِ عَلَى آخِرِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ عِلَّةَ انْقِلَابِ الْعَقْدِ إلَى الْجَوَازِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إنَّمَا هِيَ تَعْيِينُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَقَاءً لَا إطْلَاقُهُ، وَإِنَّمَا الْإِطْلَاقُ عِلَّةُ الْفَسَادِ ابْتِدَاءً.

وَعَنْ هَذَا فَسَّرَ صَاحِبُ الْكَافِي مَعْنَى الْإِطْلَاقِ هَاهُنَا بِالْوَجْهِ الثَّانِي ثُمَّ عَلَّلَ الْمَسْأَلَةَ بِمَا عَلَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ عَلَى أَنْ يُرْكِبَ أَوْ يُلْبِسَ مَنْ شَاءَ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ أَوْ يُلْبِسَ مَنْ شَاءَ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ انْتَهَى فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَمَّى نَوْعًا وَقَدْرًا مَعْلُومًا يَحْمِلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ خَمْسَةُ أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَا هُوَ مِثْلُ الْحِنْطَةِ فِي الضَّرَرِ أَوْ أَقَلُّ كَالشَّعِيرِ، وَالسِّمْسِمِ) كِلَاهُمَا مِثَالٌ لِمَا هُوَ أَقَلُّ فِي الضَّرَرِ، وَأَمَّا مِثَالُ

<<  <  ج: ص:  >  >>