وَإِذَا تَعَيَّنَتْ كَانَ هَذَا تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مَنْ غَيْرَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْ دُونِ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِقَبْضِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، كَمَا إذَا اشْتَرَى بِدَيْنٍ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ يَكُونُ أَمْرًا بِصَرْفِ مَا لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ قَبْلَهُ وَذَلِكَ بَاطِلٌ كَمَا إذَا قَالَ أَعْطِ مَالِي عَلَيْك
بِالِاسْتِهْلَاكِ دُونَ الْهَلَاكِ، هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ حَيْثُ قَالُوا: لَوْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ الْمُسَلَّمَةُ إلَى الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ. فَأَقُولُ: كَأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَيَّدَ بِالِاسْتِهْلَاكِ حَتَّى لَا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَبْطُلُ إذَا اسْتَهْلَكَ الْوَكِيلُ الدَّرَاهِمَ الْمُسَلَّمَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ الدَّرَاهِمَ كَمَا فِي هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: إنَّمَا قَيَّدَ بِالِاسْتِهْلَاكِ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْوَكَالَةِ مَخْصُوصٌ بِهِ. وَنُقِلَ عَنْ كُلٍّ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَسْأَلَةً تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ حَيْثُ قَالُوا: لَوْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ الْمُسَلَّمَةُ إلَى الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، بَلْ إنَّمَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَبْطُلُ إذَا اسْتَهْلَكَ الْوَكِيلُ الدَّرَاهِمَ الْمُسَلَّمَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ الدَّرَاهِمَ فَيَقُومُ مِثْلُهَا مَقَامَهَا فَتَصِيرُ كَأَنَّ عَيْنَهَا بَاقِيَةٌ، فَذَكَرَ الِاسْتِهْلَاكَ لِبَيَانِ تَسَاوِيهِمَا فِي بُطْلَانِ الْوَكَالَةِ بِهِمَا انْتَهَى.
أَقُولُ: هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ خَلَا قَوْلِهِ وَنَقَلَ عَنْ كُلٍّ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَسْأَلَةً تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ، إذْ لَمْ نَجِدْ فِي نُسَخِ النِّهَايَةِ هُنَا مَسْأَلَةً مَنْقُولَةً عَنْ الذَّخِيرَةِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ الْمَذْكُورُ فِيهَا هَاهُنَا إنَّمَا هِيَ مَسْأَلَةُ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ كَمَا نَقَلْنَاهُ فِيمَا قَبْلُ (فَإِذَا تَعَيَّنَتْ) أَيْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ، وَهَذَا مِنْ تَتِمَّةِ الدَّلِيلِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ، وَإِذَا تَعَيَّنَتْ (كَانَ هَذَا) أَيْ التَّوْكِيلُ الْمَذْكُورُ (تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مَنْ غَيْرَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوَكِّلَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْغَيْرُ (بِقَبْضِهِ) أَيْ بِقَبْضِ الدَّيْنِ (وَذَلِكَ) أَيْ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَزْبُورِ (لَا يَجُوزُ) لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ (كَمَا إذَا اشْتَرَى بِدَيْنٍ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي) بِأَنْ كَانَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو مَثَلًا دَيْنٌ فَاشْتَرَى زَيْدٌ مِنْ آخَرَ شَيْئًا بِذَلِكَ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى عَمْرٍو فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، فَكَانَ تَقْدِيرُهُ كَمَا إذَا اشْتَرَى الْمُشْتَرِي شَيْئًا بِدَيْنٍ عَلَى غَيْرِ نَفْسِهِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ. وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: أَيْ كَمَا إذَا اشْتَرَى هَذَا الْمَأْمُورُ بِدَيْنٍ هُوَ حَقَّ الْآمِرِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَأْمُورِ انْتَهَى.
وَوَافَقَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ حَيْثُ قَالَ: يَعْنِي كَمَا إذْ اشْتَرَى الْوَكِيلُ بِدَيْنٍ عَلَى غَيْره كَمَا إذَا أَمَرَهُ زَيْدٌ مَثَلًا أَنْ يَشْتَرِيَ بِدَيْنٍ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو شَيْئًا مِنْ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِكَوْنِهِ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مَنْ غَيْرَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ انْتَهَى.
وَبَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ تَغَايُرٌ لَا يَخْفَى (أَوْ يَكُونُ أَمْرًا بِصَرْفِ) أَيْ بِدَفْعِ (مَا لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْقَبْضِ مُتَعَلِّقٌ بِصَرْفٍ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَانَ هَذَا تَمْلِيكَ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَالْمَعْنَى: أَوْ يَكُونُ التَّوْكِيلُ الْمَذْكُورُ أَمْرًا مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ لِلْمَدْيُونِ بِدَفْعِ مَا لَا يَمْلِكُهُ رَبُّ الدَّيْنِ إلَّا بِالْقَبْضِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَكَانَ مَا أَدَّى الْمَدْيُونُ إلَى الْبَائِعِ أَوْ إلَى رَبِّ الدَّيْنِ مِلْكَ الْمَدْيُونِ وَلَا يَمْلِكُهُ الدَّائِنُ قَبْلَ الْقَبْضِ (وَذَلِكَ بَاطِلٌ) أَيْ أَمْرُ الْإِنْسَانِ بِدَفْعِ مَا لَا يَمْلِكُهُ بَاطِلٌ (كَمَا إذَا قَالَ أَعْطِ مَا لِي عَلَيْك
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute