للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَعْنَى تَسْمِيَةِ الطَّعَامِ دَرَاهِمَ أَنْ يَجْعَلَ الْأُجْرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ يَدْفَعُ الطَّعَامَ مَكَانَهُ، وَهَذَا لَا جَهَالَةَ فِيهِ (وَلَوْ سَمَّى الطَّعَامَ وَبَيَّنَ قَدْرَهُ جَازَ أَيْضًا) لِمَا قُلْنَا،

وَبَيَانُ مَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ، فَبِهَذَا التَّحْقِيقِ ظَهَرَ سُقُوطُ السُّؤَالِ وَرَكَاكَةُ الْجَوَابِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ عَلِمَ مِنْ أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ جَوَازَهَا حَيْثُ صَدَّرَ الْحُكْمَ فَاسْتَدَلَّ فَمَا فَائِدَةُ هَذَا الْكَلَامِ؟. قُلْت: أَثْبَتَ جَوَازَهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى إثْبَاتِهَا بِالْقِيَاسِ، انْتَهَى تَدَبَّرْ تَفْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَمَعْنَى تَسْمِيَةِ الطَّعَامِ دَرَاهِمَ أَنْ يَجْعَلَ الْأُجْرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ يَدْفَعَ الطَّعَامَ مَكَانَهُ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهَذَا التَّفْسِيرُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ، وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: أَيْ سَمَّى الدَّرَاهِمَ الْمُقَدَّرَةَ بِمُقَابَلَةِ طَعَامِهَا ثُمَّ أَعْطَى الطَّعَامَ بِإِزَاءِ الدَّرَاهِمِ الْمُسَمَّاةِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يُسْتَفَادُ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ حَتَّى يَصِحَّ طَعْنُهُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ وَقَبُولِهِ هَذَا الْمَعْنَى، فَإِنَّ هَذَا الْمَعْنَى إنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرَ بُعْدًا مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَا أَقَلَّ مِنْ الْمُسَاوَاةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا صُيِّرَ إلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ اللَّفْظِ: أَيْ لَفْظِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَنْ كَانَ تَقْدِيرُهُ إنْ سَمَّى بَدَلَ الطَّعَامِ دَرَاهِمَ كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ جَازَ أَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ أَوَّلُ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنْ يَجْعَلَ الْأُجْرَةَ دَرَاهِمَ، وَلَكِنْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَصْلًا آخِرُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ثُمَّ يَدْفَعَ الطَّعَامَ مَكَانَهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ حَيْثُ قَالَ: لَكِنْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ أَعْطَى بَدَلَ الدَّرَاهِمِ طَعَامًا، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ سَمَّى بَدَلَ الطَّعَامِ دَرَاهِمَ لَا غَيْرُ. انْتَهَى.

وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَلَهُ اشْتِرَاكٌ فِي الْآخَرِ مَعَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَفِي أَوَّلِهِ تَفْصِيلٌ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي أَوَّلِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، فَإِنْ فُهِمَ ذَلِكَ التَّفْصِيلُ مِنْ الْمُضَافِ الْمُقَدَّرِ فِي لَفْظِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَانَ الْمَعْنَيَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي انْفِهَامِ الْبَعْضِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ وَعَدَمِ انْفِهَامِ الْبَعْضِ الْآخَرِ مِنْهُمَا مِنْهُ، وَإِلَّا كَانَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَكْثَرَ بُعْدًا مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، فَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الثَّالِثِ وَقَبُولِ الْأَوَّلِ.

وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ مَا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهُوَ حَقٌّ، وَلَكِنْ لَوْ قَدَّرَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَفْظَةً بَدَلًا بِأَنْ يُقَالَ أَنْ يَجْعَلَ الْأُجْرَةَ دَرَاهِمَ بَدَلًا آلَ إلَى ذَلِكَ. انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ دُرْبَةٌ بِأَسَالِيبِ الْكَلَامِ أَنَّ تَقْدِيرَ بَدَلًا بَعْدَ أَنْ أَخَذَتْ كَلِمَةُ أَنْ يَجْعَلَ مَفْعُولَيْهَا رَكِيكٌ مِنْ حَيْثُ الْإِعْرَابِ، وَالْمَعْنَى: فَعَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ مَعَ مُلَاحَظَةِ قَوْلِهِ ثُمَّ يَدْفَعَ الطَّعَامَ مَكَانَهُ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ تَوْجِيهَيْنِ آخَرَيْنِ لِلَّفْظِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ مَنْصُوبًا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ: أَيْ لِلطَّعَامِ، أَوْ الْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ هُوَ التَّعْيِينُ: أَيْ عَيْنُ الطَّعَامِ بِدَرَاهِمَ وَتَعْدِيَتُهُ إلَى دَرَاهِمَ بِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ تَأَمَّلْ. انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: كِلَا التَّوْجِيهَيْنِ مَجْرُوحٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ أَنَّ حَذْفَ حَرْفِ الْجَرِّ مَعَ غَيْرِ أَنْ وَأَنَّ إنَّمَا يَجُوزُ فِيمَا يُسْمَعُ نَحْوُ اسْتَغْفَرْتُ اللَّهَ ذَنْبًا: أَيْ مِنْ ذَنْبٍ وَبَغَاهُ الْخَيْرَ: أَيْ بَغَى لَهُ، وَأَمَّا فِيمَا لَا يُسْمَعُ فَلَا يَجُوزُ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ حَذْفُ الْجَارِّ مِنْ إيَّاكَ مِنْ الْأَسَدِ إذْ لَمْ يُسْمَعْ، وَعَنْ هَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا تَقُلْ إيَّاكَ الْأَسَدَ لِامْتِنَاعِ تَقْدِيرِ مِنْ. انْتَهَى.

وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَيْضًا لَمْ يُسْمَعْ فَلَا يَجُوزُ نَزْعُ الْخَافِضِ: أَيْ حَذْفُ حَرْفِ الْجَرِّ وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الثِّقَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>