بِخِلَافِ الْمُعِينِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فَلَا يُمْكِنُ تَقْيِيدُهُ بِالْمُصْلِحِ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ التَّبَرُّعِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ يَعْمَلُ بِالْأَجْرِ فَأَمْكَنَ تَقْيِيدُهُ.
وَبِخِلَافِ أَجِيرِ الْوَحْدِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَانْقِطَاعُ الْحَبْلِ مِنْ قِلَّةِ اهْتِمَامِهِ فَكَانَ مِنْ صَنِيعِهِ قَالَ: (إلَّا أَنَّهُ لَا يُضَمَّنُ بِهِ بَنِي آدَمَ مِمَّنْ غَرِقَ فِي السَّفِينَةِ أَوْ سَقَطَ مِنْ الدَّابَّةِ وَإِنْ كَانَ بِسَوْقِهِ وَقَوْدِهِ)؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ ضَمَانُ الْآدَمِيِّ. وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ. وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَضَمَانُ الْعُقُودِ
يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُهُ كَمَا مَرَّ هُنَاكَ أَيْضًا فَكَانَ الدَّلِيلُ خَاصًّا وَالْمُدَّعَى عَامًّا.
وَالْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ هَاهُنَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْإِذْنِ مَا هُوَ الدَّاخِلُ تَحْتَ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْعَمَلُ الْمُصْلِحُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَثْبُتُ ضِمْنًا لِلْعَقْدِ وَالْعَقْدُ انْعَقَدَ عَلَى التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ مِنْ الْعُيُوبِ كَمَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ السَّلِيمُ ثَبَتَ أَنَّ الْمُفْسِدَ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مَأْذُونًا فِيهِ، كَمَا لَوْ وَصَفَ نَوْعًا مِنْ الدِّقِّ فَجَاءَ بِنَوْعٍ آخَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فَلَا يُمْكِنُ تَقْيِيدُهُ بِالْمُصْلِحِ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ التَّبَرُّعِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ يَعْمَلُ بِالْأَجْرِ فَأَمْكَنَ تَقْيِيدُهُ).
قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِمُلْتَزِمٍ أَنْ يَلْتَزِمَ جَوَازَ الِامْتِنَاعِ عَنْ التَّبَرُّعِ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَضَرَّةُ لِغَيْرِ مَنْ تَبَرَّعَ لَهُ. اهـ. وَقَصَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ دَفْعَ ذَلِكَ فَقَالَ: الْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْحِكْمَةُ أَخَصَّ كَمَا سَبَقَ نَظِيرُهُ فِي الْأَيْمَانِ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ التَّبَرُّعِ بَيَانٌ لِحِكْمَةِ عَدَمِ التَّضْمِينِ. اهـ. أَقُولُ: هَذَا لَا يُجْدِي شَيْئًا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ لَمْ يَنْفِ لُزُومَ الِامْتِنَاعِ عَنْ التَّبَرُّعِ فِي صُورَةِ حُصُولِ الْمَضَرَّةِ بِهِ لِغَيْرِ مَنْ تَبَرَّعَ لَهُ، بَلْ أَرَادَ مَنْعَ بُطْلَانِ ذَلِكَ اللَّازِمِ بِنَاءً عَلَى الْتِزَامِ جَوَازِ ذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ غَيْرِ الْمُتَبَرِّعِ لَهُ فَلَا فَائِدَةَ هَاهُنَا لِحَدِيثِ جَوَازِ كَوْنِ الْحِكْمَةِ أَخَصَّ، عَلَى أَنَّ لِصَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَنْ يَقُولَ لَا يَصْلُحُ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ التَّبَرُّعِ بَيَانًا لِحِكْمَةِ عَدَمِ التَّضْمِينِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ إذَا جَازَ الْتِزَامُ امْتِنَاعِهِ عَنْ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْغَيْرِ لَمْ تَظْهَرْ حِكْمَةُ عَدَمِ التَّضْمِينِ، بَلْ كَانَ الظَّاهِرُ حِينَئِذٍ هُوَ التَّضْمِينَ كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَوْ عَلَّلَ بِأَنَّ التَّبَرُّعَ بِالْعَمَلِ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ، وَهِيَ لَا تَقْتَضِي السَّلَامَةَ كَأَنْ أَسْلَمَ. اهـ. أَقُولُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هُنَا أَيْضًا كَوْنُ التَّبَرُّعِ بِالْعَمَلِ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ بِالنَّظَرِ إلَى مَنْ تَبَرَّعَ لَهُ لَا يَقْتَضِي جَوَازَ ذَلِكَ إذَا تَضَمَّنَ ضَرَرًا لِغَيْرِ مَنْ تَبَرَّعَ لَهُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَخَذَ أَحَدٌ مِلْكَ الْآخَرِ وَتَبَرَّعَ بِهِ لِغَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ فَلِمَ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ إذَا عَمِلَ فِي مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَتَبَرَّعَ بِالْعَمَلِ لِلْأَجِيرِ فَتَلِفَ بِعَمَلِهِ مِلْكُ الْمُسْتَأْجِرِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَانْقِطَاعُ الْحَبْلِ مِنْ قِلَّةِ اهْتِمَامِهِ فَكَانَ مِنْ صَنِيعِهِ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا عَسَى أَنْ يُقَالَ: انْقِطَاعُ الْحَبْلِ لَيْسَ مِنْ صَنِيعِ الْأَجِيرِ فَمَا وَجْهُ ذِكْرِهِ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مِنْ قِلَّةِ اهْتِمَامِهِ فَكَانَ مِنْ صَنِيعِهِ، كَذَا مِنْ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يُشْكِلُ هَذَا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ لَا يَضْمَنُ مَا هَلَكَ فِي يَدِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَإِنْ كَانَ الْهَلَاكُ بِسَبَبٍ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ هُنَاكَ أَيْضًا: إنَّ الْهَلَاكَ مِنْ قِلَّةِ اهْتَامَهُ حَيْثُ لَمْ يَحْتَرِزْ عَمَّا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَكَانَ مِنْ صَنِيعِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ بِالِاتِّفَاقِ. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ التَّقْصِيرَ هُنَاكَ فِي الْحِفْظِ، وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا كَمَا مَرَّ فَلَا اعْتِبَارَ لَهُ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَالتَّقْصِيرُ فِي نَفْسِ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ مَقْصُودًا فَلَهُ اعْتِبَارٌ وَحُكْمٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَاجِبَ ضَمَانُ الْآدَمِيِّ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: لَا يُقَالُ إنَّ ضَمَانَ بَنِي آدَمَ يَجِبُ بِالتَّسْبِيبِ وَقَدْ وُجِدَ؛ لِأَنَّ الْمُسَبِّبَ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا تَعَدَّى وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّعَدِّي. اهـ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ كَلَامُنَا فِيمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّعَدِّي وَقَدْ وَجَبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute