وَإِنْ جَاءَ بِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُؤَجِّرِ)؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي أَمْرٍ مُحْتَمَلٍ فَيَتَرَجَّحُ بِحُكْمِ الْحَالِ، إذْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى قِيَامِهِ مِنْ قَبْلُ وَهُوَ يَصْلُحُ مُرَجِّحًا إنْ لَمْ يَصْلُحْ حُجَّةً فِي نَفْسِهِ. أَصْلُهُ الِاخْتِلَافُ فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ وَانْقِطَاعِهِ.
بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الْإِجَارَةِ
قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَفَ الْخَيَّاطُ وَرَبُّ الثَّوْبِ فَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ أَمَرْتُك أَنْ تَعْمَلَهُ قَبَاءً وَقَالَ الْخَيَّاطُ بَلْ قَمِيصًا أَوْ قَالَ: صَاحِبُ الثَّوْبِ لِلصَّبَّاغِ أَمَرْتُك أَنْ تَصْبُغَهُ أَحْمَرَ فَصَبَغْته أَصْفَرَ وَقَالَ الصَّبَّاغُ لَا بَلْ أَمَرْتنِي أَصْفَرَ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ)؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْإِذْنِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ صِفَتَهُ، لَكِنْ يَحْلِفُ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ شَيْئًا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ. قَالَ: (وَإِذَا حَلَفَ فَالْخَيَّاطُ ضَامِنٌ) وَمَعْنَاهُ مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ، وَكَذَا يُخَيَّرُ فِي مَسْأَلَةِ الصَّبْغِ إذَا حَلَفَ إنْ شَاءَ
إنَّ كَوْنَ الْأَجِيرِ عَبْدًا أَكْثَرُ مِنْ كَوْنِهِ حُرًّا، فَبَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْأَكْثَرِ، إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ كَوْنَ الْأَجِيرِ حُرًّا أَكْثَرُ لِاسْتِقْلَالِهِ وَكَثْرَةُ احْتِيَاجِهِ إلَى الْأُجْرَةِ لِإِنْفَاقِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ بِنَاءُ الْأَمْرِ عَلَى ذَلِكَ لَذَكَرَ سَائِرَ مَسَائِلِ الْأَجِيرِ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
(بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الْإِجَارَةِ)
لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ اتِّفَاقِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَهُوَ الْأَصْلُ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحْكَامَ اخْتِلَافِهَا، وَهُوَ الْفَرْعُ، إذْ الِاخْتِلَافُ إنَّمَا يَكُونُ بِعَارِضٍ (قَوْلُهُ: وَإِذَا حَلَفَ فَالْخَيَّاطُ ضَامِنٌ، وَمَعْنَاهُ مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ) يَعْنِي بِهِ مَا مَرَّ قَبْلَ بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ فِي مَسْأَلَةِ: وَمَنْ دَفَعَ إلَى الْخَيَّاطِ ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ قَمِيصًا بِدِرْهَمٍ فَخَاطَهُ قَبَاءً، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَانَا هُنَاكَ مُتَّفِقَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ خِيَاطَةُ الْقَمِيصِ وَالْأَجِيرُ خَالَفَ فَخَاطَ قَبَاءً، وَهَاهُنَا قَدْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَيْفَ يَتَّحِدُ الْجَوَابُ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ اخْتَلَفَتْ صُورَتَا الْمَسْأَلَتَيْنِ ابْتِدَاءً وَلَكِنْ اتَّحَدَتَا انْتِهَاءً؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا الْحُكْمَ هُنَا بَعْدَ حَلِفِ صَاحِبِ الثَّوْبِ، وَلَمَّا حَلَفَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَلَمْ يَبْقَ لِخِلَافِ الْآخَرِ اعْتِبَارٌ فَكَانَتَا فِي الْحُكْمِ فِي الِانْتِهَاءِ سَوَاءً، هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي النِّهَايَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute