للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ؛ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيُّ لِلْجَهَالَةِ وَقَدْ يُفْضِي ذَلِكَ إلَى الْمُنَازَعَةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الرَّاكِبُ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَالْمَحْمَلُ تَابِعٌ، وَمَا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ يَرْتَفِعُ بِالصَّرْفِ إلَى التَّعَارُفِ فَلَا يُفْضِي ذَلِكَ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَكَذَا إذَا لَمْ يَرَ الْوَطَاءَ وَالدُّثُرَ. قَالَ: (وَإِنْ شَاهَدَ الْجَمَّالُ الْحِمْلَ فَهُوَ أَجْوَدُ)؛ لِأَنَّهُ أَنْفَى لِلْجَهَالَةِ وَأَقْرَبُ إلَى تَحَقُّقِ الرِّضَا. قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ بَعِيرًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مِقْدَارًا مِنْ الزَّادِ فَأَكَلَ مِنْهُ فِي الطَّرِيقِ جَازَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ عِوَضَ مَا أَكَلَ)؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ حِمْلًا مُسَمًّى فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ (وَكَذَا غَيْرُ الزَّادِ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) وَرَدُّ الزَّادِ مُعْتَادٌ عِنْدَ الْبَعْضِ كَرَدِّ الْمَاءِ فَلَا مَانِعَ مِنْ الْعَمَلِ بِالْإِطْلَاقِ.

بِوَجَاهَتِهِ يَقْبَلُ، وَهَذَا بِحَذَاقَتِهِ يَعْمَلُ، فِيهِ نَوْعُ إشْكَالٍ، فَإِنَّ تَفْسِيرَ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا شَيْئًا بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا وَلَيْسَ فِي هَذِهِ بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ. وَإِنَّمَا هِيَ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، إلَى هَاهُنَا كَلَامُهُ.

أَقُولُ: لَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِشَرِكَةِ الْوُجُوهِ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فِي الْحَقِيقَةِ مَا هُوَ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ الْمَارُّ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ بَلْ مُرَادُهُ بِهَا هَاهُنَا مَا وَقَعَ فِيهِ تَقَبُّلُ الْعَمَلِ بِالْوَجَاهَةِ يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: فَهَذَا بِوَجَاهَتِهِ يَقْبَلُ، وَهَذَا بِحَذَاقَتِهِ يَعْمَلُ فَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ، وَلَا يَمْتَنِعُ كَوْنُهَا شَرِكَةَ الصَّنَائِعِ وَالتَّقَبُّلِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ: فَفِي الْهِدَايَةِ حَمَلَهُ عَلَى شَرِكَةِ الْوُجُوهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ وَالتَّقَبُّلِ، فَكَأَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ أَطْلَقَ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَقْبَلُ الْعَمَلَ بِوَجَاهَتِهِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ نَقْلِ مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَقِيقَةِ نَوْعَ نَبْوَةٍ عَنْ هَذَا انْتَهَى.

أَقُولُ: إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ كَوْنِهَا شَرِكَةً أُخْرَى بَلْ هُوَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ كَوْنِهَا إجَارَةً، وَأَنَّ مُرَادَهُ بِالْحَقِيقَةِ مَا يُقَابِلُ الظَّاهِرَ وَالصُّورَةَ لَا مَا يُقَابِلُ الْمَجَازَ، فَالْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ الْمُعَاقَدَةَ، وَإِنْ كَانَتْ بِحَسَبِ الصُّورَةِ وَظَاهِرِ الْحَالِ عَقْدُ إجَارَةٍ بِالنِّصْفِ إلَّا أَنَّهَا بِحَسَبِ حَقِيقَةِ الْحَالِ عَقْدُ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ: أَيْ عَقْدُ شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ بِالْوَجَاهَةِ فَلَا نَبْوَةَ عَنْ هَذَا فِي شَيْءٍ تَأَمَّلْ تَقِفْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>