للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَذَا لَيْسَ أَمْرَ إيجَابٍ بِإِجْمَاعٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ،

عَلَى وُقُوعِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فِي هَذَا الْمَضِيقِ أَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ لَمَّا قَالَ: وَأَمَّا الْكِتَابَةُ شَرْعًا فَإِنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْعَبْدِ بِلَفْظِ الْكِتَابَةِ أَوْ بِلَفْظٍ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى مَا يَجِيءُ عَلَى أَدَاءِ الْعَبْدِ مَالًا مَعْلُومًا لِمُقَابَلَةِ عِتْقٍ يَحْصُلُ لَهُ عِنْدَ أَدَائِهِ اهـ. حَسِبَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَنَّ تَعْرِيفَ الْكِتَابَةِ شَرْعًا قَدْ انْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ بِلَفْظٍ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَقَطَعَ بِهِ الْكَلَامَ فِي كِتَابِهِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا حَسِبَهُ فَإِنَّ قَوْلَ صَاحِبِ النِّهَايَةِ عَلَى أَدَاءِ الْعَبْدِ مَالًا مَعْلُومًا إلَخْ مِنْ تَمَامِ التَّعْرِيفِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ عَقْدٌ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْعَبْدِ بَيَانٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودِ بِهِ فَيَحْصُلُ بِالْمَجْمُوعِ مَعْرِفَةُ مَعْنَى الْكِتَابَةِ شَرْعًا كَمَا تَرَى، ثُمَّ إنَّ الْأَظْهَرَ فِي تَعْرِيفِهَا الشَّرْعِيِّ مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ بِأَنْ يُقَالَ: الْكِتَابَةُ التَّحْرِيرُ يَدًا فِي الْحَالِ وَرَقَبَةً عِنْدَ أَدَاءِ الْمَالِ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْوِقَايَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنْ يُقَالَ: الْكِتَابَةُ إعْتَاقُ الْمَمْلُوكِ يَدًا حَالًّا وَرَقَبَةً مَآلًا فَلْيُتَبَصَّرْ (قَوْلُهُ وَهَذَا لَيْسَ أَمْرَ إيجَابٍ بِإِجْمَاعٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبُ الْكِفَايَةِ: خُصَّ الْفُقَهَاءُ، لِأَنَّ عِنْدَ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ كَدَاوُد الْأَصْفَهَانِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّ هَذَا أَمْرُ إيجَابٍ، حَتَّى إذَا طَلَبَ الْعَبْدُ مِنْ مَوْلَاهُ الْكِتَابَةَ وَقَدْ عَلِمَ الْمَوْلَى فِيهِ خَيْرًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُكَاتِبَهُ اهـ. أَقُولُ: بَقِيَ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ صَاحِبَ الْكَشَّافِ قَالَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: وَهَذَا الْأَمْرُ لِلنَّدَبِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. وَعَنْ الْحَسَنِ: لَيْسَ ذَاكَ بِعَزْمٍ إنْ شَاءَ كَاتَبَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُكَاتِبْ. وَعَنْ عُمَرَ : هِيَ عَزْمَةٌ مِنْ عَزَمَاتِ اللَّهِ. وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ مِثْلُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد اهـ. فَعَلَى هَذَا كَيْفَ يَتِمُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَيْسَ لِلْإِيجَابِ بِإِجْمَاعٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَعُمَرُ مِنْ أَجِلَّةِ الصَّحَابَةِ الْمَعْرُوفِينَ بِالْفِقْهِ وَالرِّوَايَةِ، وَابْنُ سِيرِينَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَعْيَانِ التَّابِعِينَ وَكِبَارِ الْفُقَهَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَعَنْ هَذَا قَالُوا: جَالِسْ الْحَسَنَ أَوْ ابْنَ سِيرِينَ، فَقَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ سِيرِينَ بِالْوُجُوبِ يُنَافِي ادِّعَاءَ الْإِجْمَاعِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنْ لَيْسَ هَذَا الْأَمْرُ لِلْإِيجَابِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَا ذَكَرَ فِي الْكَشَّافِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ فِي هَذَا الْأَمْرِ رِوَايَةٌ مَحْضَةٌ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ سِيرِينَ لَا أَنَّهُ مَذْهَبُهُمَا الْمُقَرَّرُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِنَاءً عَلَى مَا كَانَ مَذْهَبًا مُقَرَّرًا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فَتَأَمَّلْ، وَقَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَبِقَوْلِهِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ يُحْتَرَزُ عَنْ قَوْلِ دَاوُد وَمَنْ تَابَعَهُ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَعَطَاءٍ، وَرِوَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: تَجِبُ الْكِتَابَةُ إذَا سَأَلَ الْعَبْدُ إذَا كَانَ ذَا أَمَانَةٍ وَذَا كَسْبٍ، إذْ الْأَمْرُ يُفِيدُ الْوُجُوبَ عَلَى تَقْدِيرِ عِلْمِ الْخَيْرِيَّةِ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ فُقَهَاءُ سِيَّمَا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، فَكَيْفَ يَتِمُّ الِاحْتِرَازُ بِقَوْلِهِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ عَنْ قَوْلِهِمْ بِالْإِيجَابِ فِي هَذَا الْأَمْرِ، وَقَوْلُهُمْ بِذَلِكَ يُنَافِي ادِّعَاءَ إجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ عَلَى عَدَمِ الْإِيجَابِ فِي هَذَا الْأَمْرِ فَأَنَّى يَصِحُّ الِاحْتِرَازُ بِهِ عَنْهُ، اللَّهُمَّ أَنْ يَكُونَ مَدَارُ الِاحْتِرَازِ عَلَى عَدَمِ تَسْلِيمِ فِقْهِ بَعْضِهِمْ وَعَلَى عَدَمِ تَسْلِيمِ ثُبُوتِ قَوْلِ بَعْضِهِمْ بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِرُوَاةِ الْقَوْلِ بِذَلِكَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرُ نَدْبٍ هُوَ الصَّحِيحُ) هَذَا احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّ الْأَمْرَ لِلْإِبَاحَةِ لَا لِلنَّدَبِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ وقَوْله تَعَالَى ﴿إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ مَذْكُورٌ عَلَى وِفَاقِ الْعَادَةِ، فَإِنَّهَا جَرَتْ عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا يُكَاتِبُ عَبْدَهُ إذَا عَلِمَ فِيهِ خَيْرًا، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. أَقُولُ: بِهَذَا وَبِمَا مَرَّ آنِفًا مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ يَكُونُ الْأَمْرُ فِيهِ لِلْوُجُوبِ يُظْهِرُ اخْتِلَالَ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الزَّاهِدِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>