وَيُعْتَقُ بِأَدَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْمَوْلَى إذَا أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ التَّصْرِيحِ بِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَلَا يَجِبُ حَطُّ شَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ.
الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَحْتَجَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ. قُلْت: جَازَ أَنَّهُ مَا بَلَغَ إلَيْهِمْ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ، لِأَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ، إذْ يَجْرِي فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَقَعَ فِيهِ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ أَنْ يُقَالَ: جَازَ إنْ لَمْ يَبْلُغْ إلَيْهِمْ الْحَدِيثُ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَتِمَّ الِاسْتِدْلَال بِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي مَسْأَلَةٍ وَتَكَلُّمِهِمْ فِيهَا بِالرَّأْيِ عَلَى زِيَافَةِ حَدِيثٍ قَطُّ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ مَا عُرِفَ. وَالْأَظْهَرُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يَمْنَعَ كَوْنَ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالرَّأْيِ، وَيُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُهُمْ فِيهَا بِاعْتِبَارِ وُرُودِ حَدِيثٍ آخَرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ ﵊ قَالَ «إذَا أَصَابَ الْمُكَاتَبُ مِيرَاثًا وَرِثَ بِحِسَابِ مَا عَتَقَ مِنْهُ» وَرُوِيَ أَنَّهُ ﵊ قَالَ «يُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ بِحِصَّةِ مَا أَدَّى دِيَةَ حُرٍّ، وَبِمَا بَقِيَ دِيَةَ عَبْدٍ» كَمَا ذَكَرَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ، وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى زِيَافَةِ الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ اخْتِلَافُهُمْ بِالرَّأْيِ، لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي مَوْضِعِ النَّصِّ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ (قَوْلُهُ وَيُعْتَقُ بِأَدَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْمَوْلَى إذَا أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ التَّصْرِيحِ بِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: لَا يُعْتَقُ مَا لَمْ يَقُلْ كَاتَبْتُك عَلَى كَذَا عَلَى أَنَّك إنْ أَدَّيْته إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ. قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ: وَحَاصِلُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ رَاجِعٌ إلَى تَفْسِيرِ الْكِتَابَةِ، فَعِنْدَنَا تَفْسِيرُهَا شَرْعًا ضَمُّ حُرِّيَّةِ الْيَدِ إلَى حُرِّيَّةِ الرَّقَبَةِ عِنْدَ الْأَدَاءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَوْجَبْت حُرِّيَّةَ الْيَدِ فِي الْحَالِ وَحُرِّيَّةَ الرَّقَبَةِ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَالِ، وَلَوْ نَصَّ عَلَى هَذَا عَتَقَ عِنْدَ الْأَدَاءِ، كَذَا هَذَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: تَفْسِيرُهَا ضَمُّ نَجْمٍ إلَى نَجْمٍ، وَلَوْ نَصَّ عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ: ضَرَبْت عَلَيْك أَلْفًا عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَهَا إلَيَّ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا لَمْ يُعْتَقْ، كَذَا هَذَا انْتَهَى كَلَامُهُمْ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا عَنْ الْحَوَاشِي الْجَلَّالِيَّةِ مَنْقُولًا فِيهَا عَنْ الْمَبْسُوطِ: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الضَّمِّ لَيْسَ بِتَفْسِيرِ الْكِتَابَةِ بَلْ مُوجِبُ الْعَقْدِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ انْتَهَى. أَقُولُ: تَنْصِيصُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ فِي عِبَارَتِهِ هَاهُنَا، بَلْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَدَّعِيَ تَنْصِيصَهُ عَلَى خِلَافِهِ بَعْدَ صَحِيفَةٍ حَيْثُ قَالَ: أَمَّا الْخُرُوجُ مِنْ يَدِهِ فَلِتَحْقِيقِ مَعْنَى الْكِتَابَةِ وَهُوَ الضَّمُّ انْتَهَى. وَلَئِنْ سَلِمَ ذَلِكَ فَكَوْنُ الضَّمِّ الْمَذْكُورِ مُوجِبَ الْعَقْدِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ تَفْسِيرًا لِلْكِتَابَةِ، لِأَنَّ مُوجِبَ الشَّيْءِ مِنْ لَوَازِمِهِ وَتَفْسِيرُ الشَّيْءِ بِلَازِمِهِ لَيْسَ بِعَزِيزٍ كَمَا هُوَ حَالُ الرُّسُومِ عَامَّةً. وَلَئِنْ سَلِمَ ذَلِكَ أَيْضًا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ رَاجِعٌ إلَى تَفْسِيرِ الْكِتَابَةِ رَاجِعٌ إلَى تَفْسِيرِ مُوجِبِ الْكِتَابَةِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ كَمَا هُوَ الطَّرِيقَةُ الشَّائِعَةُ الْمُسَمَّاةُ بِالْمَجَازِ بِالْحَذْفِ، وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ أَيْ أَمْرُ رَبِّك وقَوْله تَعَالَى ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ أَيْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِرَدِّ كَلَامِ الثِّقَاتِ بِمَا هُوَ وَهْمٌ مَحْضٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ حَطُّ شَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ حَطُّ رُبْعِ الْبَدَلِ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ ﵁ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ فَإِنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لِلْوُجُوبِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ دَلَالَةَ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ مَمْنُوعَةٌ لِأَنَّهُ قَالَ مِنْ مَالِ اللَّهِ وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute