للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ (وَتَجُوزُ كِتَابَةُ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الشِّرَاءَ وَالْبَيْعَ) لِتَحَقُّقِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، إذْ الْعَاقِلُ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ وَالتَّصَرُّفُ نَافِعٌ فِي حَقِّهِ. وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِيهِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ إذْنِ الصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ لِأَنَّ الْقَبُولَ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ فَلَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ، حَتَّى لَوْ أَدَّى عَنْهُ غَيْرُهُ لَا يَعْتِقُ وَيَسْتَرِدُّ مَا دَفَعَ.

قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: جَعَلْت عَلَيْك أَلْفًا تُؤَدِّيهَا إلَيَّ نُجُومًا أَوَّلُ النَّجْمِ كَذَا وَآخِرُهُ كَذَا فَإِذَا أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِنْ عَجَزْت فَأَنْتَ رَقِيقٌ فَإِنَّ هَذِهِ مُكَاتَبَةٌ) لِأَنَّهُ أَتَى بِتَفْسِيرِ الْكِتَابَةِ، وَلَوْ قَالَ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً فَأَنْتِ حُرٌّ فَهَذِهِ مُكَاتَبَةٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ. لِأَنَّ التَّنْجِيمَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَذَلِكَ بِالْكِتَابَةِ.

وَفِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ لَا تَكُونُ مُكَاتَبَةً اعْتِبَارًا بِالتَّعْلِيقِ بِالْأَدَاءِ مَرَّةً.

قَالَ (وَإِذَا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ خَرَجَ الْمُكَاتَبُ عَنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ)

أُرِيدَ بِهِ أَنَّ احْتِمَالَ الْقُدْرَةِ عَقِيبَ الْعَقْدِ أَثْبَتُ فِي حَقِّهِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا يُجْدِي نَفْعًا لِأَنَّ مَدَارَ فَرْقِ الشَّافِعِيِّ بَيْنَ الْكِتَابَةِ وَبَيْنَ السَّلَمِ عَلَى أَصْلِهِ إنَّمَا هُوَ ثُبُوتُ احْتِمَالِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَبِيعِ لِلْعَاقِدِ قَبْلَ الْعَقْدِ فِي السَّلَمِ لِكَوْنِ الْعَاقِدِ فِيهِ أَهْلًا لِلْمِلْكِ قَبْلَ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ الْعَاقِدَ فِيهَا لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمِلْكِ قَطُّ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ احْتِمَالِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَدَلِ لَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَهَذَا أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ لَا مَجَالَ لِإِنْكَارِهِ، فَلَا وَجْهَ لِلْمُنَاقَشَةِ فِيهِ كَمَا فَعَلَهُ الشَّارِحَانِ الْمَزْبُورَانِ. وَالْحَقُّ فِي الْجَوَابِ عَمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ هَاهُنَا أَنْ يَسْلُكَ طَرِيقَةَ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ فَيُقَالُ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْعَقْدَ قَبْلَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ الْأَمْوَالِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْمِلْكِ قَبْلَهُ، وَلَكِنْ ثُبُوتُ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ حَالَ الْعَقْدِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ دُونَ الْمَعْقُودِ بِهِ، أَلَا يُرَى أَنَّ الْمُفْلِسَ لَوْ اشْتَرَى أَمْوَالًا عَظِيمَةً يَصِحُّ شِرَاؤُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ مَالِكًا لِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ مَعْقُودٌ بِهِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَالِكًا لَهُ حَالَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ، بِخِلَافِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ فَإِنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَالْبَدَلُ مَعْقُودٌ بِهِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ السَّلَمِ عَلَى أَصْلِنَا لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>