وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا فَهِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا أَوْ جَمِيعِ مَالِ الْكِتَابَةِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَسْعَى فِي أَقَلَّ مِنْهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا وَثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، فَالْخِلَافُ فِي الْخِيَارِ وَالْمِقْدَارِ، فَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمِقْدَارِ، وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي نَفْيِ الْخِيَارِ. أَمَّا الْخِيَارُ فَفَرْعُ تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُ لَمَّا تَجَزَّأَ بَقِيَ الثُّلُثَانِ رَقِيقًا وَقَدْ تَلَقَّاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ بِبَدَلَيْنِ مُعَجَّلٌ بِالتَّدْبِيرِ وَمُؤَجَّلٌ بِالْكِتَابَةِ فَتُخَيَّرُ. وَعِنْدَهُمَا لَمَّا عَتَقَ كُلُّهَا بِعِتْقِ بَعْضِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ وَجَبَ عَلَيْهَا أَحَدُ الْمَالَيْنِ فَتَخْتَارُ الْأَقَلَّ لَا مَحَالَةَ فَلَا مَعْنَى لِلتَّخْيِيرِ.
وَأَمَّا الْمِقْدَارُ فَلِمُحَمَّدٍ ﵀ أَنَّهُ قَابَلَ الْبَدَلَ بِالْكُلِّ وَقَدْ سَلَّمَ لَهَا الثُّلُثَ بِالتَّدْبِيرِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَجِبَ الْبَدَلُ بِمُقَابَلَتِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ لَهَا الْكُلَّ بِأَنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ يَسْقُطُ كُلُّ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَهُنَا يَسْقُطُ الثُّلُثُ وَصَارَ كَمَا إذَا تَأَخَّرَ التَّدْبِيرُ عَنْ الْكِتَابَةِ. وَلَهُمَا أَنَّ جَمِيعَ الْبَدَلِ مُقَابَلٌ بِثُلُثَيْ رَقَبَتِهَا فَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبَدَلَ وَإِنْ قُوبِلَ بِالْكُلِّ صُورَةً وَصِيغَةً لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا ذَكَرْنَا مَعْنًى وَإِرَادَةً لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ حُرِّيَّةَ الثُّلُثِ ظَاهِرًا،
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ كَوْنَ الْمُعَلَّلِ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى الْجِهَةَ الَّتِي هِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ مَمْنُوعٌ، لِأَنَّ تِلْكَ الْجِهَةَ أَنْ يَلْزَمَهُ إبْقَاءُ الْبَدَلِ وَقَوْلُهُ لِامْتِنَاعِ إبْقَائِهَا مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ لِأَنَّ عَدَمَ الْفَائِدَةِ بِسُقُوطِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَنْهَا، وَإِذَا أُسْقِطَ عَنْهَا الْبَدَلُ لَا يَلْزَمُهَا إيفَاؤُهُ قَطْعًا فَلَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَوْزِيعِ التَّعْلِيلَيْنِ عَلَى مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا سَدِيدًا كَمَا لَا يَخْفَى
(قَوْلُهُ وَالْإِعْتَاقُ عِنْدَهُ لِمَا تَجَزَّأَ) بَقِيَ الثُّلُثَانِ رَقِيقًا وَقَدْ تَلَقَّاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ بِبَدَلَيْنِ مُعَجَّلٌ بِالتَّدْبِيرِ (وَمُؤَجَّلٌ بِالْكِتَابَةِ فَتُخَيَّرُ) لِأَنَّ فِي التَّخْيِيرِ فَائِدَةً وَإِنْ كَانَ جِنْسُ الْمَالِ مُتَّحِدًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَدَاءُ أَكْثَرِ الْمَالَيْنِ أَيْسَرَ بِاعْتِبَارِ الْأَجَلِ وَأَدَاءُ أَقَلِّهِمَا أَعْسَرَ لِكَوْنِهِ حَالًّا فَكَانَ التَّخْيِيرُ مُفِيدًا، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ.
وَعَزَاهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الْفَائِدَةَ الْمَذْكُورَةَ إنَّمَا تُتَصَوَّرُ فِي صُورَةِ إنْ كَانَ الْبَدَلُ الْمُعَجَّلُ بِالتَّدْبِيرِ أَقَلَّ مِنْ الْبَدَلِ الْمُؤَجَّلِ بِالْكِتَابَةِ.
وَأَمَّا فِي الْعَكْسِ فَلَا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ أَدَاءَ الْأَقَلِّ الْمُؤَجَّلِ أَيْسَرُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مِنْ أَدَاءِ الْأَكْثَرِ الْمُعَجَّلِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّخْيِيرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَصْلًا لِتَعَيُّنِ اخْتِيَارِهَا الْأَقَلَّ لَا مَحَالَةَ كَمَا قَالَ صَاحِبَاهُ، مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْخِيَارِ يَعُمُّ بِالصُّورَتَيْنِ عِنْدَهُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْكُتُبِ بِأَسْرِهَا (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا عَتَقَ كُلُّهَا بِعِتْقِ بَعْضِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ وَجَبَ عَلَيْهَا أَحَدُ الْمَالَيْنِ فَتَخْتَارُ الْأَقَلَّ لَا مَحَالَةَ فَلَا مَعْنَى لِلتَّخْيِيرِ) وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَمَّا لَمْ يَتَجَزَّأْ عِنْدَهُمَا عَتَقَ كُلُّهَا بِالتَّدْبِيرِ لِعِتْقِ بَعْضِهَا بِهِ وَانْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فَوَجَبَ السِّعَايَةُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا لَا غَيْرُ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّا قَدْ حَكَمْنَا بِصِحَّةِ الْكِتَابَةِ نَظَرًا لَهَا فَتَبْقِيَتُهَا لِذَلِكَ فَلَرُبَّمَا يَكُونُ بَدَلُهَا أَقَلَّ فَيَحْصُلُ النَّظَرُ بِوُجُوبِهِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute