قَالَ (وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ وَلَدٌ مِنْ حُرَّةٍ وَتَرَكَ دَيْنًا وَفَاءً بِمُكَاتَبَتِهِ فَجَنَى الْوَلَدُ فَقُضِيَ بِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَضَاءً بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ) لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ يُقَرِّرُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ، لِأَنَّ مِنْ قَضِيَّتِهَا إلْحَاقُ الْوَلَدِ بِمَوَالِي الْأُمِّ وَإِيجَابِ الْعَقْلِ عَلَيْهِمْ، لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَقَ فَيَنْجَرَّ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ، وَالْقَضَاءُ بِمَا يُقَرِّرُ حُكْمَهُ لَا يَكُونُ تَعْجِيزًا (وَإِنْ اخْتَصَمَ مَوَالِي الْأُمِّ وَمَوَالِي الْأَبِ فِي وَلَائِهِ فَقَضَى بِهِ لِمَوَالِي الْأُمِّ فَهُوَ قَضَاءٌ بِالْعَجْزِ) لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي الْوَلَاءِ مَقْصُودًا، وَذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى بَقَاءِ الْكِتَابَةِ وَانْتِقَاضِهَا، فَإِنَّهَا إذَا فُسِخَتْ مَاتَ عَبْدًا وَاسْتَقَرَّ
لِأَجْلِ السِّرَايَةِ أَيْضًا بَلْ لِصَيْرُورَةِ الْمُكَاتَبِ إذْ ذَاكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِفَوَاتِ الْمَتْبُوعِ، وَلَكِنْ إذَا عَجَّلَ صَارَ كَأَنَّهُ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ انْتَهَى فَتَبَصَّرْ
(قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ وَلَدٌ مِنْ حُرَّةٍ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا كَلَامٌ لَا حَاصِلَ لَهُ، لِأَنَّ الْفَرْقَ مُتَحَقِّقٌ بَيْنَ كُلِّ مَسْأَلَتَيْنِ، وَإِلَّا لَمْ تَكُونَا مَسْأَلَتَيْنِ بَلْ صَارَتَا مَسْأَلَةً وَاحِدَةً، فَكُلُّ مَسْأَلَتَيْنِ إذَا ذُكِرَتَا يُعْرَفُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، فَمَا وَجْهُ تَخْصِيصِ عِلِّيَّةِ بَيَانِ الْفَرْقِ بِذِكْرِ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ؟ فَإِنْ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ خَفِيٌّ فَكَانَ بَيَانُهُ أَهَمَّ فِيهِمَا وَلِهَذَا خَصَّ عَلِيَّتَهُ بِذِكْرِهِمَا.
قُلْنَا: خَفَاءُ الْفَرْقِ مُتَحَقِّقٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَلَمْ يَتِمَّ وَجْهُ التَّخْصِيصِ، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ ذِكْرُهُمَا لِمُجَرَّدِ بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَمَا اسْتَحَقَّتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا لِلذِّكْرِ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأُخْرَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ بِنَفْسِهَا مَقْصُودَةٌ بِالذِّكْرِ وَالْبَيَانِ، وَعَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَفْهُومَيْ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ ظَاهِرٌ غَنِيٌّ عَنْ الْبَيَانِ، وَإِنَّمَا الْمُحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ عَلِيَّتِهِمَا، وَبَيْنَ الْفَرْقِ بَيْنَ عَلِيَّتِهِمَا إنَّمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ، وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ أَنْفُسُهُمَا مَذْكُورَتَانِ فِي الْبِدَايَةِ أَيْضًا بِدُونِ بَيَانِ الْعِلَّةِ، فَلَمْ يَكُنْ ذِكْرُهُمَا لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بَلْ كَانَ لِبَيَانِ حُكْمِهِمَا فِي أَنْفُسِهِمَا، وَيُفْهَمُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَسَائِلِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ يُقَرِّرُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ، لِأَنَّ مِنْ قَضِيَّتِهَا إلْحَاقَ الْوَلَدِ بِمَوَالِي الْأُمِّ وَإِيجَابَ الْعَقْلِ عَلَيْهِمْ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعْتِقَ فَيَنْجَرَّ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ، وَالْقَضَاءُ بِمَا يُقَرَّرُ حُكْمُهُ لَا يَكُونَ تَعْجِيزًا).
قَالَ صَاحِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute