للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ لَا خُبْثَ فِي نَفْسِ الصَّدَقَةِ، وَإِنَّمَا الْخُبْثُ فِي فِعْلِ الْآخِذِ لِكَوْنِهِ إذْلَالًا بِهِ.

وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْغَنِيِّ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلِلْهَاشِمِيِّ لِزِيَادَةِ حُرْمَتِهِ وَالْأَخْذُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَوْلَى فَصَارَ كَابْنِ السَّبِيلِ إذَا وَصَلَ إلَى وَطَنِهِ وَالْفَقِيرِ إذَا اسْتَغْنَى وَقَدْ بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمَا مَا أَخَذَا مِنْ الصَّدَقَةِ فَإِنَّهُ يَطِيبُ لَهُمَا، وَعَلَى هَذَا إذَا أُعْتِقَ الْمُكَاتَبُ وَاسْتَغْنَى يَطِيبُ لَهُ مَا بَقِيَ مِنْ

الرَّقَبَةِ كَانَ لِلْمَوْلَى فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ تَبَدُّلُ الْمِلْكِ؟ قُلْنَا: مِلْكُ الرَّقَبَةِ لِلْمَوْلَى كَانَ مَغْلُوبًا فِي مُقَابَلَةِ مِلْكِ الْيَدِ لِلْمُكَاتَبِ، حَتَّى كَانَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَمْنَعَ الْمَوْلَى عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ الْمُكَاتَبَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ، ثُمَّ بِالْعَجْزِ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ، وَلَيْسَ هَذَا إلَّا بِتَبَدُّلِ الْمِلْكِ لِلْمَوْلَى كَذَا قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ. وَاعْتِرَاضُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ.

وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ تَبَدُّلٌ، وَلَئِنْ كَانَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مِثْلَهُ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ اهـ. وَقَصَدَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ دَفْعَ ذَلِكَ فَقَالَ: قُلْت أَوَّلُ كَلَامِهِ مَنْعٌ مُجَرَّدٌ، وَالثَّانِي دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ اهـ.

أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، فَإِنَّ الْمَنْعَ الْمُجَرَّدَ وَالْمَنْعَ مَعَ السَّنَدِ كِلَاهُمَا مِنْ دَأْبِ الْمُنَاظِرِينَ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الثَّانِيَ أَقْوَى مِنْ الْأَوَّلِ، فَلَا يُفِيدُ قَوْلُهُ أَوَّلَ كَلَامِهِ مَنْعٌ مُجَرَّدٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالثَّانِي دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ فَفَاسِدٌ، إذْ لَا دَعْوَى لَهُ فِي الثَّانِي بَلْ هُوَ أَيْضًا مَنْعٌ مَحْضٌ كَمَا تَرَى فَلَا يَلْزَمُهُ الْبُرْهَانُ، وَالصَّوَابُ فِي دَفْعِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: أَنَّ مَنْعَ التَّبَدُّلِ مُكَابَرَةٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الِانْعِكَاسَ يَقْتَضِي التَّبَدُّلَ بَلْ هُوَ عَيْنُ التَّبَدُّلِ، وَإِنَّ مَنْعَ كَوْنِ مِثْلِ هَذَا التَّبَدُّلِ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ سَاقِطٌ، لِأَنَّ كَوْنَهُ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ دُونَ الْحَقِيقَةِ، وَكَوْنُهُ بِمَنْزِلَةِ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الشَّرْعِ فَلَا مَجَالَ لِمَنْعِهِ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكُ يَدٍ قَبْلَ الْعَجْزِ وَحَصَلَ بِهِ فَكَانَ تَبَدُّلًا اهـ.

وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكُ يَدٍ فَلَهُ مِلْكُ رَقَبَةٍ. أَقُولُ: هَذَا أَيْضًا كَلَامُ لَغْوٍ، إذْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِلْكُ رَقَبَةٍ قَبْلَ الْعَجْزِ لَا يُنَافِي تَحَقُّقَ التَّبَدُّلِ بِالنَّظَرِ إلَى مِلْكِ الْيَدِ، وَهُوَ كَافٍ فِي كَوْنِ مَا أُدِّيَ إلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ الصَّدَقَاتِ طَيِّبًا لِلْمَوْلَى كَمَا صَرَّحُوا بِهِ.

وَالصَّوَابُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمَآلِ عَيْنُ الْجَوَابِ الَّذِي اخْتَارَهُ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ، وَأَوْرَدَ هُوَ النَّظَرَ عَلَيْهِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ الْجَوَابِ مِنْ الْمَزِيَّةِ وَهِيَ الْإِشَارَةُ إلَى وَجْهِ اعْتِبَارِهِمْ تَبَدُّلَ مِلْكِ الْيَدِ دُونَ بَقَاءِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ بِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ مَغْلُوبٌ فِي مُقَابَلَةِ مِلْكِ الْيَدِ، فَكَانَ اعْتِبَارُ حَالِ الْغَالِبِ وَهِيَ التَّبَدُّلُ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ حَالِ الْمَغْلُوبِ وَهِيَ الْبَقَاءُ فَلَا وَجْهَ لِإِيرَادِ النَّظَرِ عَلَى ذَلِكَ الْجَوَابِ، وَذَكَرَ هَذَا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَادِّعَاءُ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا خُبْثَ فِي نَفْسِ الصَّدَقَةِ، وَإِنَّمَا الْخُبْثُ فِي فِعْلِ الْآخِذِ، إلَى قَوْلِهِ: وَالْأَخْذُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَوْلَى).

<<  <  ج: ص:  >  >>