للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ (وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِ مَالِ مُسْلِمٍ بِأَمْرٍ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ وَسِعَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ) لِأَنَّ مَالَ الْغَيْرِ يُسْتَبَاحُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ (وَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ آلَةٌ لِلْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ)

مِنْ قَوْلِهِ ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ﴾ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ).

وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَتَقْدِيرُهُ: مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ وَشَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ، فَاَللَّهُ تَعَالَى مَا أَبَاحَ إجْرَاءَ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِمْ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ، وَإِنَّمَا وَضَعَ عَنْهُمْ الْعَذَابَ وَالْغَضَبَ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ نَفْيِ الْغَضَبِ وَهُوَ حُكْمُ الْحُرْمَةِ عَدَمُ الْحُرْمَةِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ عَدَمِ الْحُكْمِ عَدَمُ الْعِلَّةِ كَمَا فِي شُهُودِ الشَّهْرِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ، فَإِنَّ السَّبَبَ مَوْجُودٌ وَالْحُكْمُ مُتَأَخِّرٌ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْغَضَبُ مُنْتَفِيًا مَعَ قِيَامِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْغَضَبِ وَهِيَ الْحُرْمَةُ فَلَمْ يَثْبُتْ إبَاحَةُ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ. وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ إلَى مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ.

قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلَّةِ إنْ كَانَ هُوَ الْمُصْطَلَحَ فَذَاكَ مُمْتَنِعُ التَّخَلُّفِ عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ مَعْلُولُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا السَّبَبَ الشَّرْعِيَّ كَمَا مَثَّلَ بِهِ فَإِنَّمَا يَتَخَلَّفُ الْحُكْمُ عَنْهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ شَرْعِيٍّ يُوجِبُ تَأْخِيرَهُ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ مِنْ قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ وَلَا دَلِيلَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ اهـ.

أَقُولُ: هَذَا النَّظَرُ سَاقِطٌ جِدًّا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ نَخْتَارَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ شِقَّيْ التَّرْدِيدِ وَلَا يَلْزَمُ مَحْذُورٌ أَصْلًا، إذْ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْعِلَّةِ مَا هُوَ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَهُوَ مَا كَانَ خَارِجًا عَنْ الشَّيْءِ مُؤَثِّرًا فِيهِ.

قَوْلُهُ فَذَاكَ مُمْتَنِعُ التَّخَلُّفِ عَنْ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ مَعْلُولُهُ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ وُجُوبَ مُقَارَنَةِ الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْمَعْلُولِ إنَّمَا هُوَ فِي بَعْضِ أَقْسَامِهَا، وَهُوَ مَا كَانَ عِلَّةً اسْمًا وَمَعْنًى وَحُكْمًا دُونَ بَعْضِهَا الْآخَرِ وَهُوَ مَا كَانَ عِلَّةً اسْمًا فَقَطْ أَوْ اسْمًا وَمَعْنًى كَمَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي فَلَا يَمْتَنِعُ التَّخَلُّفُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا السَّبَبُ الشَّرْعِيُّ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ التَّمْثِيلِ، وَهُوَ مَا كَانَ خَارِجًا عَنْ الشَّيْءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>