وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ يَصِيرُ مَأْذُونًا عِنْدَنَا خِلَافًا لَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
جَازَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِدْلَالٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَصْحِيحُ النَّقْلِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَنَا مُعَرَّفٌ بِذَلِكَ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ. وَالثَّانِي أَنَّ حُكْمَهُ الشَّرْعِيَّ هُوَ تَعْرِيفُهُ فَكَانَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ حُكْمًا لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ تَعْرِيفًا اهـ كَلَامَهُ. أَقُولُ: فِي كُلٍّ مِنْ وَجْهَيْ الْجَوَابِ نَظَرٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ تَصْحِيحَ النَّقْلِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَنَا مُعَرَّفٌ بِذَلِكَ عَيْنُ الِاسْتِدْلَالِ، فَإِنَّ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ هُوَ الدَّلِيلُ، وَتَصْحِيحُ النَّقْلِ بِهِ هُوَ الِاسْتِدْلَال، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ إنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِدْلَالٍ.
وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ كَوْنَ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ هُوَ تَعْرِيفُهُ مِمَّا لَا يَكَادُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْهُ مُبَايِنٌ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَثَرًا مُتَرَتِّبًا عَلَيْهِ، وَتَعْرِيفُ الشَّيْءِ مَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ بِالْمُوَاطَأَةِ مُتَّحِدٍ بِهِ فِي الذَّاتِ فَأَنَّى يَكُونُ أَحَدُهُمَا هُوَ الْآخَرُ، وَقَدْ مَرَّ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ قَبْلُ.
وَالْحَقُّ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُورُ عَلَى نَفْسِ التَّعْرِيفِ حَتَّى يَرِدَ أَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَقْبَلُ الِاسْتِدْلَالَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَوُّرٌ، وَالتَّصَوُّرُ لَا يُكْتَسَبُ مِنْ التَّصْدِيقِ بَلْ عَلَى الْحُكْمِ الضِّمْنِيِّ، كَأَنْ يُقَالَ: هَذَا التَّعْرِيفُ صَحِيحٌ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ مُطَابِقٌ لِأُصُولِنَا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ تِلْكَ الْأَحْكَامَ تَصْدِيقَاتٌ تَقْبَلُ الِاسْتِدْلَالَ عَلَيْهَا قَطْعًا، وَنَظِيرُ هَذَا مَا حَقَّقُوا فِي قِنِّهِ مِنْ أَنَّ الْمَنْعَ وَالنَّقْضَ وَالْمُعَارَضَةَ فِي التَّعْرِيفِ إنَّمَا تَتَوَجَّهُ إلَى الْأَحْكَامِ الضِّمْنِيَّةِ لَا إلَى نَفْسِ التَّعْرِيفَاتِ، تَدَبَّرْ تَرْشُدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute