للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التَّرَاضِي بِطَرِيقِ الِاكْتِسَابِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ. قَالَ: وَكُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدُّ فَهُوَ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَشِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيْعِ فِي قَوْلِهِ وَالْمُقَايَضَةُ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَشِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ هُوَ الْبَيْعُ الْمُقَابِلُ لِلشِّرَاءِ وَهُوَ وَصْفُ الْبَائِعِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالشِّرَاءِ فِي قَوْلِهِ الْمَزْبُورُ هُوَ الشِّرَاءُ الْمُقَابِلُ لِلْبَيْعِ وَهُوَ وَصْفٌ لِلْمُشْتَرِي، وَالْحَدُّ الْمَذْكُورُ: أَعْنِي مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ عَلَى وَجْهِ التَّرَاضِي بِطَرِيقِ الِاكْتِسَابِ إنَّمَا هُوَ حَدُّ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ عَقْدٌ شَرْعِيٌّ وَهُوَ الْمَجْمُوعُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَعَ الِارْتِبَاطِ الشَّرْعِيِّ الْحَاصِلِ بَيْنَهُمَا، فَذَلِكَ بِمَعْزِلٍ عَنْ قَوْلِهِ لِوُجُودِ حَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَكُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدُّ فَهُوَ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَشِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَعْدَ أَنْ جَعَلَ هَذَا الْحَدَّ حَدًّا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ الْبِيَاعَاتِ الْغَيْرِ الِاضْطِرَارِيَّةِ بَيْعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَشِرَاءً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، إذْ لَا يَخْلُو شَيْءٌ مِنْهَا عَنْ صِدْقِ هَذَا الْحَدِّ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ قَطُّ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِوَجْهٍ آخَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ عَلَى وَجْهِ التَّرَاضِي بِطَرِيقِ الِاكْتِسَابِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ بِمَالٍ هِيَ بَاءُ الْمُقَابَلَةِ وَالْعِوَضِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْحَدُّ الشِّرَاءَ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ بَاءَ الْمُقَابَلَةِ وَالْعِوَضِ لَا تُنَافِي تَنَاوُلَ الْحَدِّ الْمَذْكُورِ الشِّرَاءَ، فَإِنَّ الْمُقَابَلَةَ وَالْمُعَاوَضَةَ يَتَحَقَّقَانِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَدَلَيْنِ بِلَا تَفَاوُتٍ، وَإِنَّمَا بَقِيَ حَدِيثُ دُخُولِ الْبَاءِ عَلَى الثَّمَنِ وَسَيَجِيءُ الْكَلَامُ فِيهِ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْبَيْعُ فِي الْحَقِيقَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إخْرَاجِ مِلْكِهِ مُتَوَصِّلًا بِهِ إلَى تَحْصِيلِ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَالشِّرَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ تَحْصِيلِ مِلْكِ غَيْرِهِ مُتَوَصِّلًا إلَيْهِ بِإِخْرَاجِ مِلْكِهِ، وَكِلَاهُمَا صَادِقٌ عَلَى الْمُقَايَضَةِ انْتَهَى.

أَقُولُ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى تَحْرِيرِهِ أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا عِنْدَهُ، إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَكِلَاهُمَا صَادِقٌ عَلَى الْمُقَايَضَةِ أَنَّهُمَا صَادِقَانِ عَلَى بَدَلَيْ الْمُقَايَضَةِ مَعًا فَلَا يُنْتَقَضُ بِسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ، فَإِنَّ صِدْقَ الْبَيْعِ بِالْمَعْنَى الْمَزْبُورِ فِي سَائِرِهَا مُخْتَصٌّ بِالسِّلْعَةِ وَصِدْقَ الشِّرَاءِ فِيهَا مُخْتَصٌّ بِالثَّمَنِ فَيَسْقُطُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ وَكِلَاهُمَا صَادِقٌ عَلَى الْمُقَايَضَةِ بَلْ عَلَى جَمِيعِ الْبِيَاعَاتِ فَفِي تَقْرِيرِهِ قُصُورٌ انْتَهَى فَتَدَبَّرْ.

ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ يُطْلَقَانِ عَلَى عَقْدٍ شَرْعِيٍّ يُرَدُّ عَلَى مَجْمُوعِ مَالَيْنِ بِاعْتِبَارَيْنِ يَتَعَيَّنُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِإِطْلَاقِ لَفْظٍ يَخُصُّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>