للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلَّا إذَا كَانَ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ الْإِذْنِ كَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَنْحَجِرُ بِهِ، وَالرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ يُحْبَسُ بِهِ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْمَوْلَى. أَمَّا الْإِجَارَةُ فَلَا يَنْحَجِرُ بِهِ وَيَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الرِّبْحُ فَيَمْلِكُهُ. .

قَالَ (فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ مِنْهَا دُونَ غَيْرِهِ فَهُوَ

فَكَانَ مَوْضِعَ بَيَانِ أَنَّهُ رَاضٍ بِهِ أَوَّلًا، وَالسُّكُوتُ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ بَيَانٌ اهـ.

وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مِنْ جَانِبِ الْخَصْمِ عَلَى قَوْلِهِ وَالنَّاسُ يُعَامِلُونَ الْعَبْدَ حِينَ عِلْمِهِمْ بِسُكُوتِ الْمَوْلَى حَيْثُ قَالَ لَهُمَا أَنْ يَقُولَا ذَلِكَ لِحَمَاقَةِ الْمُعَامِلِ حَيْثُ اغْتَرَّ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ وَلَمْ يَسْأَلْ مِنْ الْمَوْلَى وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِوَارِدٍ؛ لِأَنَّ الْمُعَامِلَ لَا يَغْتَرُّ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ بَلْ يَعْتَمِدُ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الْعُرْفُ مِنْ أَنْ مَنْ لَا يَرْضَى بِتَصَرُّفِ عَبْدِهِ يَنْهَاهُ عَنْهُ وَيُؤَدِّبُهُ عَلَيْهِ.

وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ حَيْثُ قَالُوا: وَلَنَا أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ مَنْ لَا يَرْضَى بِتَصَرُّفِ عَبْدِهِ يَنْهَاهُ عَنْهُ وَيُؤَدِّبُهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَنْهَ عُلِمَ أَنَّهُ رَاضٍ فَجُعِلَ سُكُوتَهُ إذْنًا دَلَالَةً دَفْعًا لِلْغُرُورِ عَنْ النَّاسِ، فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ إطْلَاقًا مِنْهُ فَيُبَايِعُونَهُ حَمْلًا لِفِعْلِهِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْعُ وَالْعُرْفُ، كَمَا فِي سُكُوتِ النَّبِيِّ عِنْدَ أَمْرٍ يُعَايِنُهُ عَنْ التَّغْيِيرِ. وَسُكُوتِ الْبِكْرِ وَسُكُوتِ الشَّفِيعِ اهـ. فَبَعْدَ ذَلِكَ كَيْفَ يَحْتَاجُ الْمُعَامِلُ إلَى السُّؤَالِ مِنْ الْمَوْلَى، وَكَيْفَ يَحْمِلُ الْعَاقِلُ عَدَمَ سُؤَالِهِ عَلَى حَمَاقَتِهِ، وَهَلَّا تَكُونُ النَّظَائِرُ لِمَا عَامَلَهُ دُونَ خِلَافِهِ؟ ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ شَيْءٌ فِي تَقْرِيرِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ ضَرَرَ الْمَوْلَى غَيْرَ مُعْتَبَرٍ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَحَقِّقٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ قَدْ يَلْحَقُهُ وَقَدْ لَا يَلْحَقُهُ، وَجَعَلَ ضَرَرَ الْمُسْلِمِينَ مُعْتَبَرًا مَعَ أَنَّهُ أَيْضًا غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدُّيُونَ قَدْ تَلْحَقُهُ وَقَدْ لَا تَلْحَقُهُ.

فَمَا الْفَرْقُ وَالرُّجْحَانُ؟ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ. ثُمَّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: عَيْنُ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ الَّذِي رَآهُ مِنْ الْبَيْعِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ غَيْرُهُ، وَكَذَا إذَا رَأَى أَجْنَبِيًّا يَبِيعُ مِنْ مَالِهِ وَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا، وَالْمُرْتَهِنُ إذَا رَأَى الرَّاهِنَ يَبِيعُ الرَّهْنَ وَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا، وَإِذَا رَأَى رَقِيقَهُ يُزَوِّجُ نَفْسَهُ وَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا، فَمَا الْفَرْقُ؟ أُجِيبُ بِأَنَّ الضَّرَرَ فِي التَّصَرُّفِ الَّذِي رَآهُ مُتَحَقِّقٌ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَمَّا يَبِيعُهُ فِي الْحَالِ فَلَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ، وَلَيْسَ فِي ثُبُوتِ الْإِذْنِ فِي غَيْرِهِ ذَلِكَ لِمَا قُلْنَا إنَّ الدَّيْنَ قَدْ يَلْحَقُهُ وَقَدْ لَا يَلْحَقُهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ السُّكُوتِ إذْنًا بِالنَّظَرِ إلَى ضَرَرٍ مُتَوَهَّمٍ كَوْنُهُ إذْنًا بِالنَّظَرِ إلَى مُتَحَقِّقٍ، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ بَيْعِ الْأَجْنَبِيِّ مَالَهُ، وَفِي الرَّهْنِ لَمْ يَصِرْ سُكُوتُهُ إذْنًا؛ لِأَنَّ جَعْلَهُ إذْنًا يُبْطِلُ مِلْكَ الْمُرْتَهِنِ عَنْ الْيَدِ، وَقَدْ لَا يَصِلُ إلَى يَدِهِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَكَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ مُتَحَقِّقٌ.

لَا يُقَالُ: الرَّاهِنُ أَيْضًا يَتَضَرَّرُ بِبُطْلَانِ مِلْكِهِ عَنْ الثَّمَنِ، فَتَرْجِيحُ ضَرَرِ الْمُرْتَهِنِ تَحَكُّمٌ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ مِلْكِهِ عَنْ الثَّمَنِ مَوْقُوفٌ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَرْهُونِ مَوْقُوفٌ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَبُطْلَانُ مِلْكِ الْمُرْتَهِنِ عَنْ الْيَدِ بَاتٌّ فَكَانَ أَقْوَى. وَأَمَّا الرَّقِيقُ عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً إذَا زَوَّجَ نَفْسَهُ فَإِنَّمَا لَمْ يَصِرْ السُّكُوتُ فِيهِ إذْنًا.

قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ نَاقِلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ إنَّمَا يَصِيرُ إذْنًا وَإِجَازَةً دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى أَحَدٍ فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَكُونُ مَوْقُوفًا؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمَمْلُوكِ مَمْلُوكُ الْمَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ إصْلَاحِ مِلْكِهِ، وَمَنَافِعُ بُضْعِ الْمَمْلُوكَةِ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ إبْطَالُ مِلْكِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَكَانَ مَوْقُوفًا، وَأَمْكَنَ فَسْخُهُ فَلَا يَتَضَرَّرُ بِهِ أَحَدٌ. وَقِيلَ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا كَلَامَ فِي أَنَّ نِكَاحَ الرَّقِيقِ مَوْقُوفٌ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى وَإِجَازَتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ أَنَّ سُكُوتَهُ إجَازَةٌ أَوْ لَا، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا مُحَقَّقًا لِلْمَوْلَى فَلَا يَكُونُ السُّكُوتُ إذْنًا، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَعِنْدِي أَنَّ النَّظَرَ غَيْرُ وَارِدٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَ السُّكُوتِ إذْنًا كَانَ لِأَجْلِ دَفْعِ الضَّرَرِ فَحَيْثُ لَا ضَرَرَ يَبْقَى عَلَى الْقِيَاسِ وَلَا يُجْعَلُ إذْنًا اهـ.

أَقُولُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ مُرَادَ مَنْ أَوْرَدَ النَّظَرَ، إذْ لَا كَلَامَ فِي أَنَّ كَوْنَ السُّكُوتِ إذْنًا كَانَ لِأَجْلِ دَفْعِ الضَّرَرِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ نِكَاحَ الرَّقِيقِ هَلْ فِيهِ ضَرَرٌ أَمْ لَا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى، فَإِنْ كَانَ سُكُوتُهُ إذْنًا تَحَقَّقَ الضَّرَرُ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>