وَالنَّفَقَةِ، وَمَا اسْتَغْنَى عَنْهُ يَخْلُفُهُ الْمَالِكُ فِيهِ.
قَالَ (وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ بِمَأْذُونٍ)؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْدَامٌ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ لِلْكِسْوَةِ أَوْ طَعَامٍ رِزْقًا لِأَهْلِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ مَأْذُونًا يَنْسَدُّ عَلَيْهِ بَابُ الِاسْتِخْدَامِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَدِّ إلَيَّ الْغَلَّةَ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا، أَوْ قَالَ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ الْمَالَ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْكَسْبِ، أَوْ قَالَ لَهُ اُقْعُدْ صَبَّاغًا أَوْ قَصَّارًا؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ بِشِرَاءِ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَهُوَ نَوْعٌ فَيَصِيرُ مَأْذُونًا فِي الْأَنْوَاعِ. .
قَالَ (وَإِقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِالدُّيُونِ وَالْغُصُوبِ جَائِزٌ وَكَذَا بِالْوَدَائِعِ)؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ،
إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ إسْقَاطُ الْحَقِّ بِجُمْلَتِهِ وَفَكُّ الْحَجْرِ بِذِمَّتِهِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ. كَيْفَ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَصَحَّ هِبَتُهُ وَإِقْرَاضُهُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ التَّبَرُّعَاتِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ إسْقَاطُ الْحَقِّ وَفَكُّ الْحَجْرِ فِي بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمُدَّعَى إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ إسْقَاطُهُ وَفَكُّهُ فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ فِي جَمِيعِهَا كَمَا هُوَ الْمُدَّعَى.
فَإِذَا قُلْت: الْمُرَادُ أَنَّهُ إسْقَاطُ الْحَقِّ وَفَكُّ الْحَجْرِ فِي بَعْضٍ مُعَيَّنٍ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَهُوَ جِنْسُ التِّجَارَةِ وَالْمُدَّعَى كَوْنُهُ مَأْذُونًا لَهُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ هَذَا الْجِنْسِ لَا فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ أَجْنَاسِ التَّصَرُّفَاتِ فَلَا يُرَدُّ النَّقْضُ بِالتَّبَرُّعَاتِ وَلَا عَدَمُ ثُبُوتِ الْمُدَّعَى. قُلْت: فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ فَلَا يَتَخَصَّصُ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ أَنَّهُ لَا يَتَخَصَّصُ بِذَلِكَ إذَا أَطْلَقَهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِنَوْعٍ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يُجْدِي طَائِلًا؛ لِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ صُورَةُ التَّقْيِيدِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَتَخَصَّصُ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ وَإِنْ قَيَّدَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَهَلَّا يَتَوَقَّفُ تَمَامُهُ عَلَى أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْإِذْنُ فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ إذْنًا فِي جَمِيعِهَا فَيُؤَدِّي إلَى الْمُصَادَرَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ.
فَإِنْ قُلْت: عَلَّلَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَلَا يُتَخَصَّصُ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ بِقَوْلِهِ لِكَوْنِ التَّخْصِيصِ إذْ ذَاكَ تَصَرُّفًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ اهـ فَلَا مُصَادَرَةَ عَلَى الْمَطْلُوبِ. قُلْت: ذَاكَ التَّعْلِيلُ لَيْسَ بِتَامٍّ، إذْ لِقَائِلٍ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا يَكُونُ التَّخْصِيصُ تَصَرُّفًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ أَنْ لَوْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ أَوَّلًا فَيَتَحَقَّقُ إسْقَاطُ الْحَقِّ وَفَكُّ الْحَجْرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَظَهَرَ مَالِكِيَّةُ الْعَبْدِ فِي التِّجَارَاتِ مُطْلَقًا ثُمَّ خَصَّصَهُ بِنَوْعٍ مِنْهَا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ. إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا قَيَّدَهُ أَوَّلًا فَقَالَ أَذِنْت لَك فِي هَذَا النَّوْعِ فَقَطْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute