للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَانْسَدَّ بَابُ الِانْتِفَاعِ بِكَسْبِهِ فَيَخْتَلُّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِذْنِ وَلِهَذَا لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ وَالْمُسْتَغْرَقُ يَمْنَعُهُ. .

قَالَ (وَإِذَا بَاعَ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ)؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْ كَسْبِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِكَسْبِهِ (وَإِنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ مُطْلَقًا)؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ مِنْ الْوَارِثِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ،

فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَسَائِرِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ، إلَّا أَنَّهُ اكْتَفَى بِذِكْرِ قَوْلِهِ بِمَالِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَرَقَبَتَهُ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ أَنَّ تَعَلُّقَ الدُّيُونِ بِكَسْبِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَعَلُّقِهَا بِرَقَبَتِهِ، وَإِذَا لَمْ تُحِطْ الدُّيُونُ بِمَالِهِ يَتَعَيَّنُ عَدَمُ إحَاطَتِهَا بِرَقَبَتِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ الثَّانِي بَعْدَ ذِكْرِ الْأَوَّلِ، وَمَا وَقَعَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ فَمِنْ قَبِيلِ التَّصْرِيحِ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا لِمُجَرَّدِ الِاحْتِيَاطِ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا هُوَ حُكْمُ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الْمَارِّ ذِكْرُهَا فِي التَّقْسِيمِ الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْ الْعِنَايَةِ فِيمَا قَبْلُ، وَحُكْمُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْهَا مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ قَبْلُ بِقَوْلِهِ وَإِذَا لَزِمَتْهُ دُيُونٌ تُحِيطُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ لَمْ يَمْلِكْ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهِ، وَلَوْ أَعْتَقَ مِنْ كَسْبِهِ عَبْدًا لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ وَيَعْتِقُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ.

وَأَمَّا حُكْمُ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْهَا فَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْكِتَابِ قَطُّ، وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ، وَنَقَلَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ عَنْ بُيُوعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ جَائِزٌ اهـ. وَأَرَادَ بِبَعْضِ الشَّارِحِينَ صَاحِبَ غَايَةِ الْبَيَانِ فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ فِي بُيُوعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَاشْتَرَى عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا وَهُوَ يُسَاوِي أَلْفًا وَعَلَى الْأَوَّلِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنًا فَأَعْتَقَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى فَعِتْقُهُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ مِثْلُ قِيمَتِهِمَا لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: عِتْقُهُ جَائِزٌ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا اهـ. أَقُولُ: فِي جَوَازِ عِتْقِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي بُيُوعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَارِّ ذِكْرُهَا إشْكَالٌ عَلَى مُقْتَضَى دَلِيلِهِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ لِإِثْبَاتِ مَذْهَبِهِ فِي الْقِسْمِ الْخِلَافِيِّ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَوَّلًا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثَانِيًا، فَإِنَّ حَاصِلَ ذَاكَ الدَّلِيلِ أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى إنَّمَا يَثْبُتُ خِلَافُهُ عَنْ الْعَبْدِ عِنْدَ فَرَاغِهِ عَنْ حَاجَتِهِ، وَالْمَالُ الَّذِي أَحَاطَ بِهِ الدَّيْنُ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ فَلَا يَخْلُفُهُ فِيهِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ الْمِلْكُ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ الْمِلْكُ لَمْ يَجُزْ إعْتَاقُهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ جَمِيعَ مُقَدِّمَاتِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ جَارِيَةٌ بِعَيْنِهَا فِيمَا إذَا أَحَاطَتْ الدُّيُونُ بِكَسْبِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ إعْتَاقُهُ فِيهِ أَيْضًا

. (قَوْلُهُ وَإِذَا بَاعَ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْ كَسْبِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ) أَقُولُ: فِي هَذَا التَّعْلِيلِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ جَوَابَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عَدَمُ ذِكْرِ الْخِلَافِ فِي الْكِتَابِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: اعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ إذَا بَاعَ مِنْ مَوْلَاهُ شَيْئًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا اهـ. وَكَوْنُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْ كَسْبِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، إذْ قَدْ مَرَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهُمَا قَالَا: الْمَوْلَى يَمْلِكُ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَلَوْ أَحَاطَتْ دُيُونُهُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ، وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ مِنْ كَسْبِهِ عَبْدًا يَعْتِقُ عِنْدَهُمَا فَكَيْفَ يَتِمُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمَوْلَى كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْ كَسْبِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَلَى أَصْلِهِمَا حَتَّى يَتَمَشَّى التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ عَلَى قَوْلِهِمْ جَمِيعًا فَلْيُتَأَمَّلْ فِي التَّوْجِيهِ.

(قَوْلَهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ مِنْ الْوَارِثِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهَذَا الْخِلَافُ مُتَعَلِّقٌ بِأَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِذَا بَاعَ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ وَبِخِلَافِ اهـ. وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>