للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ يَجُوزُ عَقْدُهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهَا، وَلَا يَجُوزُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ)

فَإِنْ قُلْت: كَمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عَاقِدَيْ عَقْدِ الْمُقَايَضَةِ بَائِعٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَرْضِ نَفْسِهِ مُشْتَرِيًا بِالنِّسْبَةِ إلَى عَرْضِ الْآخَرِ كَذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عَاقِدَيْ عَقْدِ الصَّرْفِ بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ لِمَا أَنَّ عَقْدَ الصَّرْفِ بَيْعٌ وَالْبَيْعُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَبِيعٍ وَثَمَنٍ، وَلَيْسَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فِي جَعْلِهِ مَبِيعًا أَوْ ثَمَنًا، فَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعًا وَثَمَنًا، ثُمَّ الْغَبْنُ الْفَاحِشُ يُتَحَمَّلُ فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِرِوَايَةِ الْحَسَنِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ، وَلَا يَتَحَمَّلُ فِي بَيْعِ الصَّرْفِ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ كَمَا ذَكَرَ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالصَّرْفِ مِنْ صَرْفِ الْمَبْسُوطِ، فَمَا وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَعَ اتِّحَادِهِمَا فِي الْعِلَّةِ؟ قُلْت: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إنَّمَا نَشَأَ مِنْ حَيْثُ وُرُودُ عِلَّةِ عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ هُنَا أَيْضًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ إنَّمَا لَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِلتُّهْمَةِ، فَإِنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ عَقَدَ لِنَفْسِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِالْغَبْنِ أَرَادَ أَنْ يُلْزِمَ ذَلِكَ الْمُوَكِّلَ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ هُنَا فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ عَقْدَ الصَّرْفِ لِنَفْسِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ.

وَأَمَّا فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ عَرَضَ الْآخَرِ بِمُقَابَلَةِ عَرَضِ الْمُوَكِّلِ، فَلَمْ تُرَدَّ التُّهْمَةُ الَّتِي وَرَدَتْ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَلَمْ يُمْنَعْ الْجَوَازُ لِذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالصَّرْفِ إذَا اشْتَرَى بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْغَبْنَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ لَا يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ شِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ، إلَّا أَنَّ الشِّرَاءَ أَصْلٌ فِي هَذَا الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَصْلٌ وَالْعِبْرَةُ لِلْأَصْلِ فَكَانَ شِرَاءً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْغَبْنُ الْفَاحِشُ لَا يَتَحَمَّلُ فِي الشِّرَاءِ بِالِاتِّفَاقِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةُ. وَلَا يَلْزَمُ الْوَكِيلُ بِالصَّرْفِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِالْأَقَلِّ أَصْلًا؛ لِأَنَّ مُوَكِّلَهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِالنَّصِّ فَكَذَا وَكِيلُهُ انْتَهَى.

أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُوَكِّلَهُ إنَّمَا لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالْأَقَلِّ فِيمَا إذَا اتَّحَدَ الْبَدَلَانِ فِي الْجِنْسِ، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِيهِ فَيَمْلِكُهُ قَطْعًا كَمَا تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ بَيْعِ الْوَكِيلِ بِالصَّرْفِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي صُورَةِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، بَلْ يَعُمُّ صُورَتَيْ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَاخْتِلَافِهِ، بَلْ الْمَسْأَلَةُ مُصَوَّرَةٌ فِي صَرْفِ الْمَبْسُوطِ بِصُورَةِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَإِنْ وَكَّلَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ يَصْرِفُهَا لَهُ فَبَاعَهَا بِدَنَانِيرَ وَحَطَّ عَنْهُ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ انْتَهَى.

فَتَلْزَمُ هَذِهِ الصُّورَةُ قَطْعًا وَتَكْفِي فِي وُرُودِ السُّؤَالِ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ، وَلَعَمْرِي إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَدْ خَرَجَ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ، وَغَبَنَ فِي تَصَرُّفَاتِهِ غَبْنًا فَاحِشًا، وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: فَعَلَيْك بِهَذَا وَتَطْبِيقِهِ عَلَى مَا فِي الْكُتُبِ مُلَاحَظًا بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ تُحْمَدُ الْمُتَصَدِّي لِتَلْفِيقِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

(قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ يَجُوزُ عَقْدُهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهَا) وَهِيَ الْغَبْنُ الْيَسِيرُ (وَلَا يَجُوزُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ) وَهُوَ الْغَبْنُ الْفَاحِشُ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>