للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ فَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثْ مِثْلُهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى الْآمِرِ)

الْعَبْدَ جُمْلَةً كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَهُوَ الَّذِي يُسَاعِدُهُ ظَاهِرُ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ.

قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَمَا اكْتَفَى بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الشَّرْحِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ التَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ أَمْرٌ بِالشِّرَاءِ، وَقَدْ قَالَ الْأَمْرُ بِالشِّرَاءِ صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ فَلَمْ يَصِحَّ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ صَحَّ بِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ الْأُضْحِيَّةِ، وَإِذَا صَحَّ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ فَجَعَلْنَاهُ الثَّمَنَ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ لِكَوْنِهِ مِلْكَهُ وَصَرَفْنَاهُ إلَى الْمُتَعَارَفِ عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَان، وَلَوْ عَمِلْنَا بِإِطْلَاقِهِ كَانَ ذَلِكَ إبْطَالًا لِلْقِيَاسِ وَالْعُرْفِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْإِعْمَالُ وَلَوْ بِوَجْهٍ أَوْلَى، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّا لَمْ نَعْمَلْ بِالْإِطْلَاقِ فِي صُورَةِ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ لِئَلَّا يَبْطُلَ الْعَمَلُ بِالْعُرْفِ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ الدَّلَائِلِ، فَيَتَّجِهُ عَلَيْهِ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يَعْمَلَ بِالْإِطْلَاقِ فِي صُورَةِ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ أَيْضًا لِئَلَّا يَبْطُلَ الْعَمَلُ بِالْعُرْفِ كَذَلِكَ. فَإِنْ قُلْت: لَمْ يَعْمَلْ بِالْقِيَاسِ فِي صُورَةِ الشِّرَاءِ، فَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ بِالْعُرْفِ أَيْضًا لَزِمَ إبْطَالُ الدَّلِيلَيْنِ مَعًا، بِخِلَافِ صُورَةِ الْبَيْعِ حَيْثُ عَمِلَ فِيهَا بِالْقِيَاسِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا صَادَفَ مِلْكَ الْآمِرِ. قُلْت: لَا تَأْثِيرَ لِهَذَا الْفَرْقِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّا إنَّمَا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِي صُورَةِ الشِّرَاءِ بِالنَّصِّ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْقِيَاسِ فَبَقِيَ الْكَلَامُ فِي الْعُرْفِ، فَلَوْ جَازَ تَقْيِيدُ الْإِطْلَاقِ بِهِ فِي صُورَةِ الشِّرَاءِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالدَّلَائِلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لَجَازَ تَقْيِيدُهُ بِهِ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ.

وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ فِي شَرْحِ الْفَرْقِ الثَّانِي: إنَّ الْأَمْرَ فِي صُورَةِ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ صَادَفَ مِلْكَ الْآمِرِ فَصَحَّ أَمْرُهُ لِوِلَايَتِهِ عَلَى مِلْكِهِ فَاعْتُبِرَ إطْلَاقُ الْأَمْرِ فَجَازَ بَيْعُ النِّصْفِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ وَقَعَ مُطْلَقًا عَنْ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ. وَأَمَّا الْأَمْرُ فِي صُورَةِ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَصَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ وَهُوَ مَالُ الْبَائِعِ فَلَمْ يَصِحَّ الْأَمْرُ مَقْصُودًا؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْآمِرِ فِي مَالِ الْغَيْرِ، وَإِنَّمَا صَحَّ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلَا عُمُومَ لِمَا ثَبَتَ ضَرُورَةً فَلَمْ يُعْتَبَرْ إطْلَاقُهُ فَلَمْ يَجُزْ شِرَاءُ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، وَذَلِكَ يَتَأَدَّى بِالْمُتَعَارَفِ وَهُوَ شِرَاءُ الْكُلِّ لَا الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْكُلِّ لَا يَحْصُلُ بِشِرَاءِ الْبَعْضِ إلَّا إذَا اشْتَرَى الْبَاقِيَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا فَيَجُوزَ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ مَقْصُودُهُ انْتَهَى.

أَقُولُ: هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْبَيَانِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَفْهُومٍ مِنْ ظَاهِرِ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَتَوَجَّهُ السُّؤَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَا ارْتَكَبَهُ فِي جَوَابِهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ

(قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي بُيُوعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ) وَسَلَّمَهُ (وَقَبَضَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ فَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْبَائِعِ الْمُشْتَرِي (بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ) أَيْ لَا يَحْدُثْ مِثْلُهُ أَصْلًا كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَالسِّنِّ الشَّاغِيَةِ، أَوْ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ (بِقَضَاءِ الْقَاضِي) مُتَعَلِّقٌ بِرَدِّهِ: أَيْ رَدِّهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا كَانَ الرَّدُّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَمَا سَيَأْتِي (بِبَيِّنَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَيْ قَضَائِهِ بِبَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي (أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ) أَيْ أَوْ قَضَائِهِ بِإِبَاءِ الْبَائِعِ عَنْ الْيَمِينِ عِنْدَ تَوَجُّهِهَا إلَيْهِ (أَوْ بِإِقْرَارِهِ) أَيْ أَوْ قَضَائِهِ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ (فَإِنَّهُ) أَيْ الْبَائِعَ وَهُوَ الْمَأْمُورُ (يَرُدُّهُ) أَيْ يَرُدُّ الْعَبْدَ الَّذِي رُدَّ عَلَيْهِ (عَلَى الْآمِرِ) بِلَا حَاجَةٍ إلَى خُصُومَةٍ، إذْ الرَّدُّ عَلَى الْوَكِيلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ رَدٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>