فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ. وَصُورَةُ هَذَا الطَّلَبِ أَنْ يَقُولَ: إنَّ فُلَانًا اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ وَأَنَا شَفِيعُهَا وَقَدْ كُنْت طَلَبْت الشُّفْعَةَ وَأَطْلُبُهَا الْآنَ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَبِيعِ وَتَحْدِيدُهُ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي مَعْلُومٍ. وَالثَّالِثُ طَلَبُ الْخُصُومَةِ وَالتَّمَلُّكِ، وَسَنَذْكُرُ كَيْفِيَّتَهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. .
قَالَ (وَلَا تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِتَأْخِيرِ هَذَا الطَّلَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ تَرَكَهَا شَهْرًا بَعْدَ الْإِشْهَادِ بَطَلَتْ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، مَعْنَاهُ: إذَا تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْمُخَاصَمَةَ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْقَاضِي تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَضَى مَجْلِسٌ مِنْ مَجَالِسِهِ وَلَمْ يُخَاصِمْ فِيهِ اخْتِيَارًا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى إعْرَاضِهِ وَتَسْلِيمِهِ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ بِتَأْخِيرِ الْخُصُومَةِ مِنْهُ أَبَدًا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّصَرُّفُ حَذَارِ نَقْضِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّفِيعِ فَقَدَّرْنَاهُ بِشَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ آجِلٌ وَمَا دُونَهُ عَاجِلٌ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْأَيْمَانِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى أَنَّ الْحَقَّ مَتَى ثَبَتَ وَاسْتَقَرَّ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِإِسْقَاطِهِ وَهُوَ التَّصْرِيحُ بِلِسَانِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ الضَّرَرِ يَشْكُلُ بِمَا إذَا كَانَ غَائِبًا، وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِالتَّأْخِيرِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي فَكَانَ عُذْرًا.
. قَالَ (وَإِذَا تَقَدَّمَ الشَّفِيعُ إلَى الْقَاضِي فَادَّعَى الشِّرَاءَ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ سَأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِمِلْكِهِ الَّذِي يُشْفَعُ بِهِ وَإِلَّا كَلَّفَهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ)؛ لِأَنَّ الْيَدَ ظَاهِرٌ مُحْتَمِلٌ فَلَا تَكْفِي لِإِثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ. قَالَ ﵀: يَسْأَلُ الْقَاضِي الْمُدَّعِيَ قَبْلَ أَنْ يُقْبِلَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ مَوْضِعِ الدَّارِ وَحُدُودِهَا؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى حَقًّا فِيهَا فَصَارَ
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ مِمَّا يَجِبُ التَّنَبُّهُ لَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِشْهَادِ هَاهُنَا نَفْسُ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لَا الْإِشْهَادُ عَلَى ذَلِكَ الطَّلَبِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ هَاهُنَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ مُنَاقِضًا لِقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَالْإِشْهَادُ فِيهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ تَاجُ الشَّرِيعَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْإِشْهَادُ فِيهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ حَيْثُ قَالَ: هَذَا لَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْأَوَّلِ الْإِشْهَادُ عَلَى الطَّلَبِ، وَمِنْ الثَّانِي طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ وَأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَطْلُبَ الشُّفْعَةَ اهـ.
وَسَيَأْتِي نَظِيرُ هَذَا فِي الْكِتَابِ فِي أَوَّلِ بَابِ مَا يَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ، فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ هُنَاكَ وَإِذَا تَرَكَ الشَّفِيعُ الْإِشْهَادَ حِينَ عَلِمَ بِالْبَيْعِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ حَمَلَ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ الْإِشْهَادَ الْمَذْكُورَ هُنَاكَ عَلَى نَفْسِ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لِئَلَّا يُخَالِفَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَبْلُ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا أَيْضًا مِنْ أَنَّ الْإِشْهَادَ فِي طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَإِنَّمَا هُوَ لِنَفْيِ التَّجَاحُدِ (قَوْلُهُ وَصُورَةُ هَذَا الطَّلَبِ أَنْ يَقُولَ: إنَّ فُلَانًا اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ أَنَا شَفِيعُهَا وَقَدْ كُنْت طَلَبْتُ الشُّفْعَةَ وَأَطْلُبُهَا الْآنَ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ) أَقُولُ: فِي هَذَا التَّصْوِيرِ نَوْعُ تَقْصِيرٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَشَّى فِيمَا إذَا كَانَ الْإِشْهَادُ عِنْدَ الدَّارِ، فَإِنَّ الْإِشَارَةَ بِهَذِهِ الدَّارِ إنَّمَا تُتَصَوَّرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَالْمَذْكُورُ فِيمَا قَبْلُ مَجْمُوعُ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ لِلْإِشْهَادِ: أَعْنِي الْإِشْهَادَ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مُجَرَّدَ التَّمْثِيلِ دُونَ إحَاطَةِ الْأَقْسَامِ، لَكِنَّهُ لَا يَدْفَعُ التَّقْصِيرَ حَقِيقَةً، فَالْأَوْلَى الْجَامِعُ لِلْأَقْسَامِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ: وَصُورَةُ هَذَا الطَّلَبِ أَنْ يَحْضُرَ الشَّفِيعُ عِنْدَ الدَّارِ وَيَقُولُ: إنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute