للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ لِلشَّفِيعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا) فَصَارَ كَبَيِّنَةِ الْبَائِعِ وَالْوَكِيلِ وَالْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمَوْجُودَ بَيْعَانِ، وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَالَى بَيْنَهُمَا عَقْدَانِ إلَّا بِانْفِسَاخِ الْأَوَّلِ وَهَاهُنَا الْفَسْخُ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَهُوَ التَّخْرِيجُ لِبَيِّنَةِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ كَالْبَائِعِ وَالْمُوَكِّلِ كَالْمُشْتَرِي مِنْهُ، كَيْفَ وَأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ،

وَلَا دَعْوَى إلَّا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً حَتَّى نَفْسَهُ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى، بَلْ الَّذِي عُرِفَ بِالنَّصِّ هَذِهِ الصُّورَةُ؛ لِأَنَّ التَّحَالُفَ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْإِنْكَارُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالدَّعْوَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ ثَابِتٌ بِالْقِيَاسِ بِدُونِ ذَلِكَ النَّصِّ.

وَقَالَ آخِرًا فَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ امْتِنَاعَ الْقِيَاسِ لَا يَقْتَضِي امْتِنَاعَ الْإِلْحَاقِ بِطَرِيقِ دَلَالَةِ النَّصِّ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأُمُورِ لَا يَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسُ وَيَصِحُّ إثْبَاتُهُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَبِمُجَرَّدِ امْتِنَاعِ الْقِيَاسِ هَاهُنَا لَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ، فَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ لِيَعُمَّ الْقِيَاسَ وَالدَّلَالَةَ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْبَيِّنَةُ إنَّمَا تُسْمَعُ مِنْ الْمُدَّعِي، وَالْمُشْتَرِي لَا يَدَّعِي عَلَى الشَّفِيعِ شَيْئًا وَلِهَذَا لَا يَتَحَالَفَانِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، فَلَزِمَ أَنْ لَا تَصِحَّ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي أَصْلًا فَضْلًا عَنْ أَنْ تُرَجَّحَ عَلَى بَيِّنَةِ الشَّفِيعِ كَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ.

ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَإِنْ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ لَا مُدَّعِيًا فِي الْحَقِيقَةِ إلَّا أَنَّهُ مُدَّعٍ صُورَةً حَيْثُ يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ، وَمَنْ كَانَ مُدَّعِيًا صُورَةً تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ إذَا أَقَامَهَا، كَمَا فِي الْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمُودِعِ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَحِلِّهِ.

وَأَمَّا الْحَلِفُ فَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ صُورَةً؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْمُودَعَ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمُودِعِ وَعَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا يَجِبُ الْحَلِفُ عَلَى الْمُودَعِ لِكَوْنِهِ مُنْكِرَ الضَّمَانِ حَقِيقَةً، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُودِعِ مَعَ كَوْنِهِ فِي صُورَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ عَلَيْهِ فَكَانَ لِلْمُشْتَرِي فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَجَالُ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَى خَصْمِهِ الْحَلِفُ أَصْلًا فَرَجَّحَ أَبُو يُوسُفَ بَيِّنَتَهُ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهَا أَكْثَرَ إثْبَاتًا، وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ فِي هَذَا الْمُقَامِ وَحُجَّتُهُمَا مَا ذَكَرْنَا مُؤَيِّدًا بِهِ مَا ذَكَرَهُ قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الدَّارِ عِنْدَ نَقْدِ الْأَقَلِّ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ.

وَعَنْ هَذَا لَمْ يُحْكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الِاحْتِجَاجُ بِذَلِكَ مَعَ ظُهُورِهِ جِدًّا، وَإِنَّمَا حُكِيَ عَنْهُ الطَّرِيقَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَنَافِي إلَخْ، وَبِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الشَّفِيعِ مُلْزِمَةٌ إلَخْ، حَكَى أُولَاهُمَا مُحَمَّدٌ وَأَخَذَ بِهَا، وَحَكَى ثَانِيَتَهُمَا أَبُو يُوسُفَ وَلَمْ يَأْخُذْ بِهَا كَمَا ذَكَرُوا فِي الشُّرُوحِ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ التَّخْرِيجُ لِبَيِّنَةِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ كَالْبَائِعِ وَالْمُوَكِّلُ كَالْمُشْتَرِي مِنْهُ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ أُرِيدَ أَنَّ الْوَكِيلَ كَالْبَائِعِ وَالْمُوَكِّلَ كَالْمُشْتَرِي مِنْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَهُوَ مَمْنُوعٌ لِظُهُورِ الِاخْتِلَافِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ الْوَكِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>