اسْتَوْفَى الثَّمَنَ انْتَهَى حُكْمُ الْعَقْدِ، وَخَرَجَ هُوَ مِنْ الْبَيِّنِ وَصَارَ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَبَقِيَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. وَلَوْ كَانَ نَقْدُ الثَّمَنِ غَيْرَ ظَاهِرٍ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت الدَّارَ بِأَلْفٍ وَقَبَضْت الثَّمَنَ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ تَعَلَّقَتْ الشُّفْعَةُ بِهِ، فَبِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ قَبَضْتُ الثَّمَنَ يُرِيدُ إسْقَاطَ حَقِّ الشَّفِيعِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ قَبَضْت الثَّمَنَ وَهُوَ أَلْفٌ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ خَرَجَ مِنْ الْبَيِّنِ وَسَقَطَ اعْتِبَارُ قَوْلِهِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ
فَصْلٌ فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ الْمَشْفُوعُ
قَالَ (وَإِذَا حَطَّ الْبَائِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ يَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْ الشَّفِيعِ، وَإِنْ حَطَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْ الشَّفِيعِ)
أَنَّ الْفَسْخَ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الثَّانِي هُنَالِكَ كَمَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، أَمَّا هُنَا فَبِخِلَافِهِ: أَيْ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الثَّالِثِ.
وَثَمَرَةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ الثَّالِثَ هُنَالِكَ وَهُوَ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ يَأْخُذُ الْعَبْدَ الْمَأْسُورَ مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ بِالثَّمَنِ الثَّانِي، وَأَمَّا الثَّالِثُ هُنَا وَهُوَ الشَّفِيعُ فَيَأْخُذُ الدَّارَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَيِّ الثَّمَنَيْنِ شَاءَ. فَإِنْ قُلْتَ: نَعَمْ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ذَلِكَ قَطْعًا، وَلَكِنْ مَا وَجْهُ ظُهُورِ الْفَسْخِ هُنَالِكَ فِي حَقِّ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ وَعَدَمِ ظُهُورِهِ هُنَا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ قُلْتُ: حَقُّ الشَّفِيعِ تَعَلَّقَ بِالدَّارِ مِنْ وَقْتِ وُجُودِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا حَقُّ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْعَبْدِ الْمَأْسُورِ إلَّا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَالْإِخْرَاجُ إلَيْهَا لَمْ يَكُنْ إلَّا بِالْبَيْعِ الثَّانِي فَافْتَرَقَا، وَحَلُّ هَذَا الْمَقَامُ بِهَذَا الْوَجْهِ مِمَّا يُهِمُّ، وَقَدْ أَهْمَلَهُ الشُّرَّاحُ مَعَ الْتِزَامِهِمْ بَيَانَ الظَّوَاهِرِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ.
(فَصْلٌ فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ الْمَشْفُوعُ)
لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْمَشْفُوعِ وَهُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ حَقِّ الشُّفْعَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُؤْخَذُ بِهِ الْمَشْفُوعُ وَهُوَ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute