للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَإِنْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ دَارًا وَشَفِيعُهَا ذِمِّيٌّ أَخَذَهَا بِمِثْلِ الْخَمْرِ وَقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ)؛ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ مَقْضِيٌّ بِالصِّحَّةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَحَقُّ الشُّفْعَةِ يَعُمُّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ، وَالْخَمْرُ لَهُمْ كَالْخَلِّ لَنَا وَالْخِنْزِيرُ كَالشَّاةِ، فَيَأْخُذُ فِي الْأَوَّلِ بِالْمِثْلِ وَالثَّانِي بِالْقِيمَةِ. قَالَ (وَإِنْ كَانَ شَفِيعُهَا مُسْلِمًا أَخَذَهَا بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ) أَمَّا الْخِنْزِيرُ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا الْخَمْرُ لِامْتِنَاعِ التَّسَلُّمِ وَالتَّسْلِيمِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَالْتَحَقَ بِغَيْرِ الْمِثْلِيِّ، وَإِنْ كَانَ شَفِيعُهَا مُسْلِمًا وَذِمِّيًّا أَخَذَ الْمُسْلِمُ نِصْفَهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَالذِّمِّيُّ نِصْفَهَا بِنِصْفِ مِثْلِ الْخَمْرِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ، فَلَوْ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ أَخَذَهَا بِنِصْفِ

أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ.

وَتَقْرِيرُهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الْأَخْذُ، وَلَئِنْ كَانَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَمَكِّنٍ مِنْ الْأَخْذِ فِي الْحَالِ بَلْ هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ حَالًّا انْتَهَى.

أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيمَا قَبْلُ لِدَلِيلِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ كَمَا تَرَى، فَالتَّصَدِّي لِلْجَوَابِ عَنْهُ بِمَنْعِ بَعْضِ مُقَدِّمَاتِهِ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ بَعِيدٌ جِدًّا، بَلْ هُوَ خَارِجٌ عَمَّا عَلَيْهِ دَأْبُ الْمُصَنِّفِ فِي نَظَائِرِهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا؛ فَلِأَنَّ مَنْعَ كَوْنِ الْمَقْصُودِ بِهِ الْأَخْذَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ فِي أَوَّلِ التَّقْرِيرِ مِمَّا لَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الدَّلَالَاتِ فَكَيْفَ يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ (وَلَئِنْ كَانَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَمَكِّنٍ مِنْ الْأَخْذِ فِي الْحَالِ بَلْ هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ حَالًّا) مِمَّا لَا يَكَادُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنْ دَلِيلِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَهُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ حَتَّى الْعِنَايَةَ نَفْسَهَا أَنَّ الطَّلَبَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِعَيْنِهِ بَلْ لِلْأَخْذِ، وَهُوَ فِي الْحَالِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَخْذِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَطْلُبُهُ وَهُوَ الْأَخْذُ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ أَوْ الْأَخْذِ فِي الْحَالِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَلَا فَائِدَةَ فِي طَلَبِهِ فِي الْحَالِ، فَسُكُوتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ فِيهِ فَائِدَةً لَا لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الْأَخْذِ انْتَهَى. وَلَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي مُسْكَةٍ أَنَّ مَنْعَ عَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَخْذِ فِي الْحَالِ بِنَاءً عَلَى تَمَكُّنِهِ مِنْهُ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ حَالًّا لَا يُجْدِي طَائِلًا فِي دَفْعِ مَا ذَكَرَ فِي دَلِيلِهِ مِنْ أَنَّهُ فِي الْحَالِّ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَخْذِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَطْلُبُهُ، فَإِنَّ أَدَاءَ الثَّمَنِ حَالًّا لَيْسَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَطْلُبُهُ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لَهُ أَلْبَتَّةَ، وَخِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ فِيمَا إذَا لَمْ يَخْتَرْ الشَّفِيعُ أَخْذَهَا بِثَمَنٍ حَالٍّ بَلْ اخْتَارَ الِانْتِظَارَ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ فَكَيْفَ يَكُونُ تَمَكُّنُهُ مِنْ الْأَخْذِ فِي الْحَالِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ حَالًّا جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ، وَالْحَقُّ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْمُصَنَّفِ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْأَخْذِ فِي الْحَالِ إلَخْ عَلَى تَتْمِيمِ دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِأَنْ يُجْعَلَ دَلِيلًا بِحَسْبِ الْمَعْنَى عَلَى ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ لَهُ بِالْبَيْعِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرَّاحِ أَخْذًا مِنْ الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالُوا بَعْدَ ذِكْرِ وَجْهِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخِرِ: وَجْهٌ ظَاهِرٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>