حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَلِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ فِيهِمَا ضَعِيفٌ وَلِهَذَا لَا يَبْقَى بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَهَذَا الْحَقُّ يَبْقَى فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ الْقِيمَةِ كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالزَّرْعُ يُقْلَعُ قِيَاسًا.
التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ فِيهِمَا ضَعِيفٌ نَاظِرًا إلَى قَوْلِهِ فِيهِ لِأَنَّ حَقَّهُ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي فَيَتِمُّ التَّعْلِيلَانِ مَعًا بِلَا غُبَارٍ وَقَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: إنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ لِأَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الِاسْتِرْدَادِ وَالْبَائِعِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ إذَا بَنَى الْمُشْتَرِي فِيمَا اشْتَرَاهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَهُ الِاسْتِرْدَادُ بَعْدَ الْبِنَاءِ كَالشَّفِيعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ انْتَهَى.
أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا جَازَ عِنْدَهُمَا الِاسْتِرْدَادُ بَعْدَ الْبِنَاءِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ أَيْضًا فَكَيْفَ يَتِمُّ قِيَاسُ أَبِي يُوسُفَ فِي دَلِيلِهِ الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ بِقَوْلِهِ وَصَارَ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا، فَإِنَّ جَوَازَ الِاسْتِرْدَادِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ يُنَافِي قِيَاسَ الْمُشْتَرِي فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا فِي أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الْقَلْعُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ هُنَا فَإِنْ قُلْت: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا فِي دَلِيلِهِ الْمَذْكُورِ مُجَرَّدُ الِاحْتِجَاجِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ بِمَذْهَبِهِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا: هَذَا احْتِجَاجٌ مِنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ قُلْت: ذَلِكَ بَعِيدٌ عَنْ عِبَارَةِ الْكِتَابِ جِدًّا لِأَنَّ قِيَاسَهُ الْمَزْبُورُ لَمْ يُذْكَرْ بِصَدَدِ الْجَوَابِ عَمَّا قَالَهُ صَاحِبَاهُ، بَلْ ذُكِرَ بِصَدَدِ إثْبَاتِ مُدَّعَاهُ، فَكَيْفَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ لِمُجَرَّدِ الِاحْتِجَاجِ عَلَى الْخَصْمِ سِيَّمَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَقَطْ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ ثُمَّ أَقُولُ: الْأَوْجَهُ فِي التَّوْجِيهِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْبِنَاءِ بَعْدَ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ اسْتِرْدَادِ الْمَبِيعِ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ.
وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَدْ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ هُنَاكَ عَنْ الْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ: وَذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا قَوْلُهُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ آخِرًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ وَكَذَا لِأَبِي يُوسُفَ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الْقَلْعُ إلَخْ، وَهَذَا مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَثَانِيهِمَا مِثْلُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ بِأَنْ قَالَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، وَإِنْ شَاءَ كَلَّفَ الْمُشْتَرِيَ قَلْعَهُ، وَهَذَا رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَرِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ وَبِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْهُ، صَرَّحَ بِذَلِكَ كُلِّهُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَإِذَا قَدْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسُ أَبِي يُوسُفَ بِقَوْلِهِ وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِهِ الْآخَرِ مِنْ قَوْلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْبِنَاءِ بَعْدَ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهَا، وَيَكُونَ تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ وَبِخِلَافِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ بِقَوْلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَحَدِ قَوْلَيْ أَبِي يُوسُفَ فِيهَا وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ كَمَا عَرَفْت فَتَدَبَّرْ
(قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يَبْقَى بَعْدَ الْبِنَاءِ وَهَذَا الْحَقُّ يَبْقَى) قَالَ صَاحِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute