للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فِي الْمَحِلِّ إلَخْ إلَى قَوْلِهِ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ وَإِلَى قَوْلِهِ وَرَدَّ الْعِوَضَ، فَجَعَلَ قَوْلَهُ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ إلَى قَوْلِهِ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ دَلِيلًا عَلَى قَوْلِهِ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ، وَجَعَلَ قَوْلَهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ إلَخْ دَلِيلًا عَلَى قَوْلِهِ وَرَدَّ الْعِوَضَ بِطَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ وَلَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ مُتَأَمِّلٍ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ أَنَّ حَقَّ التَّوْزِيعِ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ، وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَطْعًا مَعْنَى الْمَقَامِ يُرْشِدُ إلَيْهِ جِدًّا التَّفْرِيعَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي ذَيْلِ الدَّلِيلَيْنِ الْحَاصِلَيْنِ مِنْ التَّوْزِيعِ: أَعْنِي قَوْلَهُ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ فِي الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَصِحُّ الْإِسْقَاطُ فِي الثَّانِي تَبَصَّرْ وَاعْتَرَضَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ فَبِالْفَاسِدِ أَوْلَى حَيْثُ قَالَ: وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ إسْقَاطَ حَقِّ الشُّفْعَةِ يَتَعَلَّقُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ، أَلَا يَرَى إلَى مَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: لَوْ قَالَ الشَّفِيعُ سَلَّمْتُ شُفْعَةَ هَذِهِ الدَّارِ إنْ كُنْتَ اشْتَرَيْتَهَا لِنَفْسِك وَقَدْ اشْتَرَاهَا لِغَيْرِهِ، أَوْ قَالَ لِلْبَائِعِ سَلَّمْتهَا لَك إنَّ كُنْتَ بِعْتَهَا لِنَفْسِك وَقَدْ بَاعَهَا لِغَيْرِهِ فَهَذَا لَيْسَ بِتَسْلِيمٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّفِيعَ عَلَّقَ التَّسْلِيمَ بِشَرْطٍ، وَصَحَّ هَذَا التَّعْلِيقُ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَمَا كَانَ إسْقَاطًا مَحْضًا صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَمَا صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لَا يُتْرَكُ إلَّا بَعْد وُجُودِ الشَّرْط فَلَا يُتْرَكُ التَّسْلِيمُ اهـ.

قَالَ الشَّارِح الْعَيْنِيّ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا النَّظَرِ عَنْ صَاحِب الْغَايَة: قُلْت: اسْتِخْرَاج هَذَا النَّظَرِ الْغَيْر الْوَارِد مِنْ قَوْل الشَّيْخِ أَبِي الْمُعَيَّنِ النَّسَفِيِّ فِي شَرْحِ الْجَامِع الْكَبِير حَيْثُ قَالَ فِيهِ: فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ يَجِب الْعِوَض يَجِب أَنْ لَا تُبْطَلَ الشُّفْعَةُ أَيْضًا، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَبْطَلَ حَقّه بِشَرْطِ سَلَامَة الْعِوَض، فَإِذَا لَمْ يُسْلَم وَجَبَ أَنْ لَا تُبْطَل كَمَا فِي الْكَفَالَة إذَا صَالَحَ الْكَفِيلُ الْمَكْفُولَ لَهُ عَلَى مَال حَتَّى يُبَرِّئهُ مِنْ الْكَفَالَة لِمَا لَمْ يَجِب الْعِوَض لَمْ تَثْبُت الْبَرَاءَة.

قِيلَ لَهُ بِأَنَّ الْمَال لَا يَصْلُح عِوَضًا عَنْ الشُّفْعَة فَصَارَ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِير فِي بَاب الْخُلْع وَالصُّلْح عَنْ دَم الْعَمْد وَثَمَّةَ يَقَع الطَّلَاق وَيَسْقُط الْقِصَاص إذَا وَجَدَ الْقَبُول مِنْ الْمَرْأَة وَالْقَاتِل وَلَمْ يَجِب شَيْء، كَذَا هُنَا وَأَمَّا الصُّلْح عَنْ الْكَفَالَة بِالنَّفْسِ فَكَذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَر مُحَمَّد فِي كِتَاب الشُّفْعَة مِنْ الْمَبْسُوط، وَكِتَاب الْكَفَالَة وَالْحَوَالَة مِنْ الْمَبْسُوط فِي رِوَايَة أَبِي حَفْص، وَعَلَى مَا ذَكَر فِي كِتَاب الْحَوَالَة وَالْكَفَالَة مِنْ الْمَبْسُوط فِي رِوَايَة أَبِي سَلِيمَانِ لَا يَبْرَأ، وَيَحْتَاج إلَى الْفَرْقِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقَّ الشَّفِيع قَدْ سَقَطَ بِعِوَضٍ مَعْنًى فَإِنَّ الثَّمَن سَلَّمَ لَهُ، فَإِنَّهُ مَتَى أَخَذَ الدَّار بِالشُّفْعَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فَمَتَى سَلَّمَ لَهُ الثَّمَن فَقَدْ سَلَّمَ لَهُ نَوْعَ عِوَضٍ بِإِزَاءِ التَّسْلِيم فَلَا بُدّ مِنْ الْقَوْل بِسُقُوطِ حَقِّهِ فِي الشُّفْعَة فَأَمَّا الْمَكْفُول لَهُ فَلَمْ يَرْضَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ عَنْ الْكَفِيل بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ عِوَضٌ أَصْلًا فَلَا يَسْقُط حَقّه فِي الْكَفَالَة اهـ.

وَمِنْ هَذَا الْجَوَاب يُحَصَّل الْجَوَابُ عَنْ النَّظَر الْمَذْكُور؛ إلَى هُنَا لَفْظ شَرْحِ الْعَيْنِيّ أَقُول: لَا يَذْهَب عَلَيْك أَنَّهُ لَا يُحَصَّل مِنْ الْجَوَابُ الْمَذْكُور فِي كَلَام الشَّيْخ أَبِي الْمُعَيَّن الْجَوَابُ عَنْ النَّظَر الْمَذْكُورِ، بَلْ لَا مِسَاس لَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ السُّؤَال وَالْجَوَاب فِي كَلَام الشَّيْخ أَبِي الْمُعَيَّن مُتَعَلِّق بِأَصْلِ الْمَسْأَلَة، وَالنَّظَر الْمَذْكُورُ مُتَعَلِّق بِمُقَدَّمَةِ الدَّلِيل وَهِيَ قَوْله وَلَا يَتَعَلَّق إسْقَاطه بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْط فَأَحَدهمَا بِمَعْزِلِ عَنْ الْآخِر، كَيْف لَا وَقَدْ ذَكَر صَاحِب الْغَايَة أَوَّلًا كَلَام الشَّيْخ أَبِي الْمُعَيَّن بِتَمَامِهِ نَقْلًا عَنْهُ حَيْثُ قَالَ: وَأُورِدَ الشَّيْخ أَبُو الْمُعَيَّنِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِع سُؤَالًا وَجَوَابًا فِي هَذَا الْمَوْضِع قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ يَجِب الْعِوَض يَجِب أَنْ لَا تُجِبْ شُفْعَته أَيْضًا إلَى آخِر كَلَامه، ثُمَّ أُورِد نَظَرُهُ الْمَذْكُور فِي حَاشِيَة أُخْرَى، وَلَمْ يَجِب عَنْهُ؛ فَبَيْنهمَا بَوْن لَا يَخْفَى ثُمَّ قَالَ صَاحِب الْعِنَايَة: وَقَوْله عَلَى عِوَضٍ إشَارَة إلَى أَنَّ الصُّلْح إذَا كَانَ عَلَى بَعْض الدَّار صَحَّ وَلَمْ تَبْطُلْ الشُّفْعَة لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا أَنْ يُصَالِحهُ عَلَى أَخْذِ نِصْفِ الدَّار بِنِصْفِ الثَّمَن، وَفِيهِ الصُّلْح جَائِز لِفَقْدِ الْإِعْرَاض.

وَالثَّانِي أَنْ يُصَالِحهُ عَلَى أَخَذَ بَيْتٍ بِعَيْنِهِ مِنْ الدَّار بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَن، وَالصُّلْح فِيهِ لَا يَجُوز لِأَنَّ حِصَّتَهُ مَجْهُولَةٌ وَلَهُ الشُّفْعَة لِفَقْدِ الْإِعْرَاض اهـ.

أَقُول: فِيهِ بَحْثُ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّم أَنَّ فِي قَوْله عَلَى عِوَضٍ إشَارَة إلَى أَنَّ الصُّلْح إذَا كَانَ عَلَى بَعْض الدَّار صَحَّ وَلَمْ تَبْطُلْ الشُّفْعَة، إذْ لَا يُتَصَوَّر إشَارَةُ قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَة، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَفْهُوم قَوْله عَلَى عِوَضٍ بِطَرِيقِ الْمُخَالَفَة هُوَ مَعْنَى بِلَا عِوَضٍ، وَهُوَ يَعُمّ بَعْض الدَّار وَكُلّ الدَّار وَمَا لَيْسَ بِدَارِ وَلَا عِوَضَ أَصْلًا، إذْ لَا يُصْلَح شَيْء مِنْهُمَا لَأَنْ يَكُون عِوَضًا فَيَصِير الصُّلْح

<<  <  ج: ص:  >  >>