الْعُلُوِّ، وَمَنْفَعَةُ الْعُلُوِّ لَا تَبْقَى بَعْدَ فِنَاءِ السُّفْلِ، وَكَذَا السُّفْلُ فِيهِ مَنْفَعَةُ الْبِنَاءِ وَالسُّكْنَى، وَفِي الْعُلُوِّ السُّكْنَى لَا غَيْرُ إذْ
مَبْنَى هَذَا الِاخْتِلَافِ اخْتِلَافُ عَادَةِ أَهْلِ الْعَصْرِ وَالْبُلْدَانِ فِي تَفْضِيلِ السُّفْلِ عَلَى الْعُلُوِّ أَوْ الْعَكْسُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ اسْتِوَاؤُهُمَا، أَوْ هُوَ مَعْنًى فِقْهِيٌّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَجَابَ كُلٌّ مِنْهُمْ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ أَجَابَ أَبُو حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي اخْتِيَارِ السُّفْلِ عَلَى الْعُلُوِّ. وَأَبُو يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ فِي مَنْفَعَةِ السُّكْنَى. وَمُحَمَّدٌ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ اخْتِلَافِ الْعَادَاتِ فِي الْبُلْدَانِ مِنْ تَفْضِيلِ السُّفْلِ مَرَّةً وَالْعُلُوِّ أُخْرَى انْتَهَى أَقُولُ: فِي أَوَائِلِ تَحْرِيرِهِ خَلَلٌ حَيْثُ قَالَ أَوْ الْعَكْسُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَكْسَ تَفْضِيلِ السُّفْلِ عَلَى الْعُلُوِّ مُطْلَقًا إنَّمَا هُوَ تَفْضِيلُ الْعُلُوِّ عَلَى السُّفْلِ مُطْلَقًا، وَهُوَ لَيْسَ بِمَذْهَبِ أَحَدٍ فِي الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ، وَإِنَّمَا الْمَذْهَبُ فِيهِ تَفْضِيلُ السُّفْلِ عَلَى الْعُلُوِّ مُطْلَقًا كَمَا قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَاسْتِوَاؤُهُمَا كَمَا قَالَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ، وَتَفْضِيلُ السُّفْلِ مَرَّةً وَالْعُلُوِّ أُخْرَى كَمَا قَالَ بِهِ مُحَمَّدٌ، وَلَيْسَ الثَّالِثُ بِعَكْسِ الْأَوَّلِ كَمَا لَا يَخْفَى وَلِلَّهِ دَرُّ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي حُسْنِ تَحْرِيرِهِ وَإِصَابَتِهِ حَيْثُ قَالَ فِي تَفْضِيلِ السُّفْلِ عَلَى الْعُلُوِّ وَاسْتِوَائِهِمَا وَتَفْضِيلِ السُّفْلِ مَرَّةً وَالْعُلُوِّ أُخْرَى: فَأَصَابَ الْمُحَزَّ فِي إفَادَةِ عَيْنِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ كَمَا تَرَى
(قَوْلُهُ وَكَذَا السُّفْلُ فِيهِ مَنْفَعَةُ الْبِنَاءِ وَالسُّكْنَى وَفِي الْعُلُوِّ السُّكْنَى لَا غَيْرُ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ وَالْمُرَاعَى التَّسْوِيَةُ فِي السُّكْنَى لَا الْمَرَافِقُ، إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ اهـ أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِسَدِيدٍ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَالْمُرَاعَى التَّسْوِيَةُ فِي السُّكْنَى لَا فِي الْمَرَافِقِ أَنَّ الْمُرَاعَى فِي نَفْسِ الْقِسْمَةِ بِالذَّرْعِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ التَّسْوِيَةُ فِي السُّكْنَى لَا فِي الْمَرَافِقِ، إذْ الِاتِّحَادُ فِي الْجِنْسِ يَحْصُلُ بِالِاتِّحَادِ فِي مَنْفَعَةِ السُّكْنَى بِدُونِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الِاتِّحَادِ فِي الْمَرَافِقِ، فَيُصَارَ إلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَ الِاتِّحَادِ فِي الْجِنْسِ مِنْ قِسْمَةِ الْعَيْنِ دُونَ الْقِيمَةِ، وَمُرَادُهُ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ وَكَذَا السُّفْلُ فِيهِ مَنْفَعَةُ الْبِنَاءِ وَالسُّكْنَى وَفِي الْعُلُوِّ السُّكْنَى لَا غَيْرُ بَيَانُ مُرَاعَاةِ مَنْفَعَةِ غَيْرِ السُّكْنَى أَيْضًا فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ ذِرَاعٌ مِنْ سُفْلٍ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ عُلُوٍّ، وَلَا يُعَدُّ فِي أَنْ يُرَاعَى فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ بِالذَّرْعِ مَا لَا يُرَاعَى فِي نَفْسِ الْقِسْمَةِ بِالذَّرْعِ، فَإِنَّ نَفْسَ الْقِسْمَةِ بِالذَّرْعِ قَدْ تَتَحَقَّقُ مُنْفَكَّةً عَنْ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ كَمَا فِي قِسْمَةِ الْبَيْتِ السُّفْلِيِّ فَقَطْ أَوْ الْعُلْوِيِّ فَقَطْ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فِي الْمَقَامَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ وَالْمُرَاعَى التَّسْوِيَةُ فِي السُّكْنَى لَا فِي الْمَرَافِقِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالْمَذْكُورُ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ وَكَذَا السُّفْلُ فِيهِ مَنْفَعَةُ السُّكْنَى إلَى آخِرِهِ إنَّمَا هُوَ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَحْدَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute