للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَتَأْوِيلُ إحْدَاهُمَا أَنْ يَشْتَرِطَ الْعَمَلَ بِيَدِهِ فَيَكُونَ عُذْرًا مِنْ جِهَتِهِ (وَمَنْ دَفَعَ أَرْضًا بَيْضَاءَ إلَى رَجُلٍ سِنِينَ مَعْلُومَةً يَغْرِسُ فِيهَا شَجَرًا عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْغَارِسِ نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ) لِاشْتِرَاطِ الشَّرِكَةِ فِيمَا كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ الشَّرِكَةِ لَا بِعَمَلِهِ (وَجَمِيعُ الثَّمَرِ وَالْغَرْسِ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلِلْغَارِسِ قِيمَةُ غَرْسِهِ وَأَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ: إذْ هُوَ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ وَهُوَ نِصْفُ الْبُسْتَانُ فَيَفْسُدُ وَتَعَذَّرَ رَدُّ الْغِرَاسِ لِاتِّصَالِهَا بِالْأَرْضِ فَيَجِبُ قِيمَتُهَا وَأَجْرُ مِثْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي قِيمَةِ الْغِرَاسِ لِتَقَوُّمِهَا بِنَفْسِهَا

ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ لَا يُفْسَخُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَهُوَ مَا يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَفِي الْأُخْرَى عُذْرٌ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي تَفْسِيرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ خَلَلٌ، إذْ يَصِيرُ حَاصِلُ مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ فِي كَوْنِ تَرْكِ الْعَمَلِ عُذْرًا رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا كَوْنُهُ عُذْرًا وَالْأُخْرَى عَدَمُ كَوْنِهِ عُذْرًا فَيُؤَدِّي إلَى كَوْنِ الشَّيْءِ ظَرْفًا لِنَفْسِهِ وَلِنَقِيضِهِ وَلَا يَخْفَى بُطْلَانُ ذَلِكَ، وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ هَلْ يَكُونُ عُذْرًا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا بِالْإِيجَابِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عُذْرًا، وَالْأُخْرَى بِالسَّلْبِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ عُذْرًا فَحِينَئِذٍ لَا غُبَارَ فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ (قَوْلُهُ وَتَأْوِيلُ إحْدَاهُمَا أَنْ يَشْرِطَ الْعَمَلَ بِيَدِهِ فَيَكُونَ عُذْرًا مِنْ جِهَتِهِ) أَقُولُ: فِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عُذْرًا مِنْ جِهَتِهِ أَنْ لَوْ تَرَكَ ذَلِكَ الْعَمَلَ اضْطِرَارًا بِسَبَبِ حُدُوثِ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا تَرَكَهُ بِالِاخْتِيَارِ فَلَا يَظْهَرُ وَجْهُ كَوْنِهِ عُذْرًا مِنْ جِهَتِهِ، وَالْكَلَامُ هَاهُنَا فِي التَّرْكِ الِاخْتِيَارِيِّ، لِأَنَّ التَّرْكَ الِاضْطِرَارِيَّ إنَّمَا يَكُونُ بِسَبَبِ عُذْرٍ مُقَرَّرٍ.

وَقَدْ مَرَّ مَسْأَلَةُ جَوَازِ الْفَسْخِ بِالْأَعْذَارِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، فَذِكْرُ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ بَعْدَهَا وَبَيَانُ وُقُوعِ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِتَرْكِ ذَلِكَ الْعَمَلِ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ أَرَادَ الْعَامِلُ تَرْكَ ذَلِكَ الْعَمَلِ هُوَ التَّرْكُ الِاخْتِيَارِيُّ لَا غَيْرُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتَعَذَّرَ رَدُّ الْغِرَاسِ لِاتِّصَالِهَا بِالْأَرْضِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: يَعْنِي لَوْ وَقَعَ الْغِرَاسُ وَسَلَّمَهَا لَمْ يَكُنْ تَسْلِيمًا لِشَجَرِ الْغِرَاسِ، بَلْ يَكُونُ تَسْلِيمًا لِقِطْعَةِ خَشَبَةٍ، وَهُوَ مَا شَرَطَ ذَلِكَ، بَلْ شَرَطَ تَسْلِيمَ الشَّجَرِ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْغَارِسِ نِصْفَيْنِ، فَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ تَسْلِيمُهَا وَهِيَ نَابِتَةٌ وَجَبَ رَدُّ قِيمَتِهَا انْتَهَى وَاقْتَفَى أَثَرَهُ فِي شَرْحُ هَذَا الْمَحَلِّ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدَّارِيَةِ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِمْ لَوْ قَلَعَ الْغِرَاسَ وَسَلَّمَهَا لَمْ يَكُنْ تَسْلِيمًا لِلشَّجَرِ بَلْ يَكُونُ تَسْلِيمًا لِقِطْعَةِ خَشَبَةٍ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ تَسْلِيمًا لِلشَّجَرِ انْتَهَى.

أَقُولُ: مَنْعُ ذَلِكَ مُكَابَرَةٌ، لِأَنَّ الشَّجَرَ عَلَى مَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي عَامَّةِ كُتُبِ اللُّغَةِ مَا كَانَ عَلَى سَاقٍ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ، فَإِذَا قَلَعَ الْغِرَاسَ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدُّ فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الشَّجَرِ فَلَا يَكُونُ تَسْلِيمُ الْمَقْلُوعِ تَسْلِيمًا لِلشَّجَرِ لَا مَحَالَةَ بَلْ يَكُونُ تَسْلِيمًا لِقِطْعَةِ خَشَبَةٍ كَمَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحُ، نَعَمْ إنَّ قَوْلَهُمْ كَانَ الْمَشْرُوطُ تَسْلِيمَ الشَّجَرِ لَا تَسْلِيمَ قِطْعَةِ خَشَبَةٍ مُسْتَدْرَكٌ لَا يُجْدِي طَائِلًا هَاهُنَا، لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْغَارِسِ لِلشَّجَرِ لَيْسَ بِمُقْتَضَى الشَّرْطِ بَلْ يَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>