وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: قَطَعَ مَكَانَ بَلَغَ. وَالنُّخَاعُ عِرْقٌ أَبْيَضُ فِي عَظْمِ الرَّقَبَةِ، أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﵊ «أَنَّهُ نَهَى أَنْ تُنْخَعَ الشَّاةُ إذَا ذُبِحَتْ» وَتَفْسِيرُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَنْ يَمُدَّ رَأْسَهُ حَتَّى يَظْهَرَ مَذْبَحُهُ، وَقِيلَ أَنْ يَكْسِرَ عُنُقَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَ مِنْ الِاضْطِرَابِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَهَذَا لِأَنَّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَفِي قَطْعِ الرَّأْسِ زِيَادَةَ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِلَا فَائِدَةٍ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا فِيهِ زِيَادَةَ إيلَامٍ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الذَّكَاةِ مَكْرُوهٌ.
وَيُكْرَهُ أَنْ يَجُرَّ مَا يُرِيدُ ذَبْحَهُ بِرِجْلِهِ إلَى الْمَذْبَحِ، وَأَنْ تُنْخَعَ الشَّاةُ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ: يَعْنِي تَسْكُنَ مِنْ الِاضْطِرَابِ، وَبَعْدَهُ لَا أَلَمَ فَلَا يُكْرَهُ النَّخْعُ وَالسَّلْخُ، إلَّا أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِمَعْنًى زَائِدٍ وَهُوَ زِيَادَةُ الْأَلَمِ قَبْلَ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ فَلِهَذَا قَالَ: تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ. قَالَ (فَإِنْ ذَبَحَ الشَّاةَ مِنْ قَفَاهَا فَبَقِيَتْ حَيَّةٌ حَتَّى قَطَعَ الْعُرُوقَ حَلَّ) لِتَحَقُّقِ الْمَوْتِ بِمَا هُوَ ذَكَاةٌ، وَيُكْرَهُ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ الْأَلَمِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا جَرَحَهَا ثُمَّ قَطَعَ الْأَوْدَاجَ (وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ لَمْ تُؤْكَلْ) لِوُجُودِ الْمَوْتِ بِمَا لَيْسَ بِذَكَاةٍ فِيهَا. قَالَ (وَمَا اسْتَأْنَسَ مِنْ الصَّيْدِ فَذَكَاتُهُ الذَّبْحُ، وَمَا تَوَحَّشَ مِنْ النَّعَمِ فَذَكَاتُهُ الْعَقْرُ وَالْجُرْحُ) لِأَنَّ ذَكَاةَ الِاضْطِرَارِ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ عَلَى مَا مَرَّ، وَالْعَجْزُ مُتَحَقِّقٌ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ (وَكَذَا مَا تَرَدَّى مِنْ النَّعَمِ فِي بِئْرٍ وَوَقَعَ الْعَجْزُ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ) لِمَا بَيَّنَّا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ.
وَنَحْنُ نَقُولُ: الْمُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الْعَجْزِ وَقَدْ تَحَقَّقَ فَيُصَارُ إلَى الْبَدَلِ، كَيْفَ وَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ النُّدْرَةَ بَلْ هُوَ
عِنْدَنَا، وَلَكِنَّهُ ذَكَاةٌ يَجُوزُ أَكْلُ الْمَذْبُوحِ بِهِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ بِأَكْلِهِ بَأْسٌ، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ هَذَا الذَّبْحُ فَلَمْ يَخْلُ هَذَا التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ مِنْ قِبَلِ الشَّافِعِيُّ عَنْ الْمُصَادَرَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ وَالنُّخَاعُ عِرْقٌ أَبْيَضُ فِي عَظْمِ الرَّقَبَةِ).
قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: النُّخَاعُ خَيْطٌ أَبْيَضُ فِي جَوْفِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ يَمْتَدُّ إلَى الصُّلْبِ، وَالْفَتْحُ وَالضَّمُّ لُغَةٌ فِي الْكَسْرِ، وَمَنْ قَالَ هُوَ عِرْقٌ فَقَدْ سَهَا، إنَّمَا ذَلِكَ الْبِخَاعُ بِالْبَاءِ يَكُونُ فِي الْقَفَا، وَمِنْهُ بَخَعَ الشَّاةَ إذَا بَلَغَ بِالذَّبْحِ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، فَالْبَخْعُ أَبْلَغُ مِنْ النَّخْعِ انْتَهَى. وَذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مَا فِي الْمُغْرِبِ بِعَيْنِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَنْسُبْهُ إلَى الْمُغْرِبِ فَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ كَأَنَّهُ حَسِبَ أَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ حَيْثُ قَالَ: فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ عِرْقٌ أَبْيَضُ فِي عَظْمِ الرَّقَبَةِ، وَنَسَبَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ إلَى السَّهْوِ وَقَالَ: هُوَ خَيْطٌ أَبْيَضُ فِي جَوْفِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ يَمْتَدُّ إلَى الصُّلْبِ. وَرُدَّ بِأَنَّ بَدَنَ الْحَيَوَانِ مُرَكَّبٌ مِنْ عِظَامٍ وَأَعْصَابٍ وَعُرُوقٍ هِيَ شَرَايِينُ وَأَوْتَارٌ وَمَا ثَمَّةَ شَيْءٌ يُسَمَّى بِالْخَيْطِ أَصْلًا، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: الرَّدُّ الْمَذْكُورُ مَرْدُودٌ، لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعِظَامِ وَالْأَعْصَابِ وَالْعُرُوقِ إنَّمَا هُوَ أَعْضَاءٌ مُفْرَدَةٌ لِبَدَنِ الْحَيَوَانِ، وَلَهُ أَعْضَاءٌ أُخَرُ مُفْرَدَةٌ كَالْغُضْرُوفِ وَالرِّبَاطِ وَالْغِشَاءِ وَاللَّحْمِ وَالشَّحْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمُرَكَّبَةٌ تَرْكِيبًا أَوَّلِيًّا كَالْعَضَلِ، أَوْ ثَانِيًا كَالْعَيْنِ، أَوْ ثَالِثًا كَالْوَجْهِ، ثُمَّ الرَّأْسُ مَثَلًا عَلَى مَا بُيِّنَ كُلُّهُ فِي كُتُبِ الطِّبِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute