للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واللهُ عليمٌ إن فَوَّضْنَاه، أو أَوَّلْنَاه بمعنى التحريفِ فإننا لم نَرُمِ التنزيهَ، بل وَقَعْنَا في العيبِ، وَجْهُهُ أننا إذا قلنا: لا نَعْلَمُ هذا المعنى، فهذا يعني أن اللهَ أَنْزَلَ علينا كتابًا مجهولًا لا يُدرى معناه، وَلَيْتَه لا يُدْرى معناه في الأمورِ التي تتعلَّقُ بفعلِ العبدِ كالصلاةِ والطهارةِ في العقيدةِ، وإن حَرَّفْنَاه وَقَعْنا أيضًا في بلاءٍ في اتهامِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أنه لم يُبَيِّنْ لعبادِهِ إلا ما كان خلافَ الحقِّ، وكلاهما شيءٌ كبيرٌ.

حتى إن شيخَ الإسلامِ (١) رَحِمَهُ اللَّهُ يقولُ: إن قَوْلَ أهلِ التفويضِ من شرِّ أقوالِ أهلِ البدعِ والإلحادِ، وأنه هو الذي فَتَحَ للفلاسفةِ القَدْحَ في الدِّينِ وقالوا: إذا كنتم لا تعرفون المعنى وأنتم عَجَمٌ بالنسبةِ للقرآنِ العربيِّ نحن نَعْرِفُ، وصاروا يَخْبِطُونَ خَبْطَ عَشْوَاءَ.

فالأشاعرةُ يُثْبِتُونَ للهِ سبعَ صفاتٍ: الحياة، والعِلْمَ، والإرادةَ، والقدرةَ، والسمعَ، والبصرَ والكلامَ، ومع ذلك إثباتُهُم لها ليس كإثباتِ أهلِ السُّنَّةِ، نَضْرِبُ مثلًا بالكلامِ، الكلامُ يقولون: إن اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يتكلَّمُ بصوتٍ مسموعٍ أبدًا، وإنما كلامُهُ هو المعنى القائمُ بنفْسِه، وما يَسْمَعُهُ العِبادُ فإنما هو عبارةٌ عن الكلامِ المخلوقِ؛ فلما قال اللهُ لنبِيِّه - صلى الله عليه وسلم -: "إني فرضتُ عليك خمسين صلاةً" (٢) بهذا اللفظِ أو معناه، اللهُ لمْ يَقُلْها؛ لأنَّ الكلامَ هو المعنى القائمُ بنفسه، لكن خلق أصواتًا سَمِعَها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - تُعَبِّرُ عما في نَفْسِهِ! ! سبحانَ اللهِ! .

الآن لو تَفَكَّرْنَا لَوَجَدْنَا قولَهم هذا أَخْبَثُ من قولِ الجهميَّةِ، الجهميَّةُ عندهم


(١) انظر: درء تعارض العقل والنقل (١/ ٢٠٥).
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء، رقم (٣٤٩)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رقم (١٦٣)، من حديث أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>