للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صراحةٌ قالوا: كلامُ اللهِ مخلوقٌ ومسموعٌ، لكنه مخلوقٌ، هؤلاء قالوا: كلامُ اللهِ غيرُ مخلوقٍ لكنه غير مسموعِ هو المعنى القائمُ بنفْسِه ويَخْلُقُ أصواتًا تُسْمَعُ تُعَبِّرُ عما في نفْسِه.

فَأَصْرَحُهُمَا الجهميَّةُ، فالقرآنُ الذي بين أيدينا، الجهميَّةُ يقولون: هذا كلامُ اللهِ حقيقةً لكنه مخلوقٌ، أما الأشاعرةُ فيقولون: لا هذا ليس كلامَ اللهِ حقيقةً، هذا عبارةٌ عن كلامِ اللهِ، وكلامُ اللهِ هو المعنى القائمُ بالنفْسِ. إذن أَحْسَنُهُما الأوَّلُ، وكلاهما غيرُ حَسَنٍ، ولكننا نقولُ: الأوَّلُ أَحْسَنُ، كما قال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} [الفرقانِ: ٢٤]، مع أنه لا خيرَ في مستقرِّ أهلِ النارِ.

فالأشعريةُ أثبتوا سبعَ صفاتٍ، ولمَّا قيلَ لهم: ما هو الدليلُ على إثباتِ الصفاتِ السبعِ ونفيِ ما سواها؟ قالوا: الدليلُ العقلُ، فالعقلُ دلَّ على إثباتِ هذه الصفاتِ، ولم يَدُلَّ على إثباتِ غيرها، إذن حكَّموا العقلَ فيما يُثْبِتُونَ للهِ ولم يُحَكِّمُوا اللهَ فيما يُثْبِتُ لنفْسِه، وهذا عدوانٌ في حقِّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

من الذي يَحْكُمُ بنفْسِهِ على نَفْسِه؟ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أنتم تَتَحَكَّمُونَ على اللهِ؟ ! قالوا: اللهُ خاطَبَنَا ولنا عقولٌ، ولا بُدَّ لنا من أن نُعملَ العقولَ. قلنا: أعطونا دليلًا عقليًّا على هذه الصفاتِ السَّبْعِ، قالوا: نعم نعطيكم أدلةً عقليَّةً، الإيجادُ يَدُلُّ على القدرةِ؛ لأنَّ العاجزَ لا يُوجِدُ شيئًا، ومعلومٌ أننا نرى المخلوقاتِ تتواجدُ شيئًا فشيئًا، قالوا: إيجادُها يدلُّ على القدرةِ، المخلوقاتُ الكائنةُ بعضُها إنسانٌ، وبعضُها حصانٌ، وبعضُها جَمَلٌ، وبعضُها شمسٌ، وبعضُها قمرٌ، وبعضُها سماءٌ، وبعضُها أرضٌ، وهذا التخصيصُ يدلُّ على الإرادةِ، لولا الإرادةُ ما صار هذا كذا وهذا كذا. إذن أثبتنا الإرادةَ والقدرةَ، وهذه المخلوقاتُ مُحْكَمةٌ متقنةٌ ما فيها تناقضٌ ولا تصادمٌ، لم نر

<<  <   >  >>