للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشمسَ في يومٍ من الأيامِ اصطدمت بالأرضِ أو بالقمرِ أو بالنجومِ، مُحْكَمٌ متقنٌ يدلُّ على العِلْمِ.

إذن ثَبَتَتْ ثلاثُ صفاتٍ عن طريقِ العقلِ وهي: العِلْمُ والإرادةُ والقدرةُ، قالوا: وهذه الصفاتُ لا يُمْكِنُ أنْ تقومَ إلا بحيٍّ، فثبتتْ بذلك صفةُ الحياةِ، قالوا: والحيُّ إما أن يكونَ سميعًا بصيرًا متكلمًا، أو أصمَّ أعمًى أخرسَ، والأولُ كمالٌ والثاني نقصٌ، واللهُ تعالى منزَّهٌ عن النقصِ، فوجب أن يكونَ سميعًا بصيرًا متكلمًا.

فنحن قد نوافِقُهم على هذا ونقولُ: العقلُ دلَّ على ذلك، لكنْ ما سوى هذه دلَّ عليها الشَّرْعُ، ونحن نتنزَّلُ معهم إلى آخرِ شيءٍ، نقولُ: ما سوى ذلك دلَّ عليه الشرعُ.

ومن المعلومِ أن انتفاءَ الدليلِ المُعَيَّنِ لا يستلزمُ انتفاءَ المدلولِ؛ لأنَّ الأدلةَ قد تتعدَّدُ على مدلولٍ واحدٍ، فإذا قَدَّرْنَا أن العقلَ لم يَدُلَّ على الصفاتِ التي أَثْبَتَهَا اللهُ لنفسِه سوى السبعِ، فقد دلَّ عليها الشرْعُ، والشرْعُ يَثْبُتُ بدليلٍ واحدٍ، وبدليلين، وبثلاثةٍ، المهمُّ أن يكونَ له دليلٌ، هذا جوابٌ.

جوابٌ آخرُ: أن نَمْنَعَ من كَوْنِ العقلِ لم يدلَّ على بقيَّةِ الصفاتِ، ونقولُ: بقيَّةُ الصفاتِ منها ما دلَّ عليه العقلُ، ومنها ما دلَّ عليه السَّمْعُ فقط، فمثلًا: إنزالُ المطرِ، إنباتُ النباتِ، رَفْعُ الوباءِ، بَسْطُ الرزقِ، هذا من اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ويَدُلُّ على الرحمةِ دلالةً واضحةً أقوى من دلالةِ التخصيصِ على الإرادةِ؛ لأنَّ دلالةَ التخصيصِ على الإرادةِ لا يَفْهَمُ ذاك عن بيانٍ إلا طالبُ العلمِ المختصُّ، حتى طلبةُ العلمِ أحيانًا يقولون: كيف دلَّ التخصيصُ على الإرادةِ؟ ! لكن كَوْنَ هذه الأمورِ النافعةِ - حصولِ النِّعَمِ، واندفاعِ النِّقَمِ - تدلُّ على الرحمةِ هو واضحٌ حتى للعامِّيِّ، فالعامِّيُّ يَخْرُجُ

<<  <   >  >>