للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من بيتِه في الصباح وقد جاء المطرُ في الليلِ، فيقولُ: مُطِرْنَا بفضلِ اللهِ ورحمَتِه وهو عامِّيٌّ! .

فنقولُ لهم: الآن ما نَفَيْتُمُوهُ زاعمين أن العقلَ لا يَدُلُّ عليه فَلَنَا عنه جوابان:

الجوابُ الأوَّلُ: أننا لا نُسَلِّمُ أن العقلَ لا يدلُّ عليه، بل نقولُ: إن العقلَ يدُلُّ عليه، وإن كان لا يدلُّ على كلِّ الصفاتِ لكن في الجملةِ.

ثانيًا: أن نقولَ: هبْ أن العقلَ لا يدلُّ عليه، لكن دلَّ عليه السمعُ - القرآنُ والسُّنَّةُ - ولا يلزمُ من انتفاءِ دلالةِ العقلِ ألا يَثْبُتَ الشيءُ بدليلٍ آخَرَ؛ لأنَّ انتفاءَ الدليلِ المُعَيَّنِ لا يستلزمُ انتفاءَ المدلولِ، وهذه قاعدةٌ مفيدةٌ، وأَضْرِبُ لكم مثلًا بشيءٍ محسوسٍ، مَكَّةُ كم لها من طريقٍ؟ طرقٌ متعددةٌ، فإذا قُدِّرَ أن هذا الطريق يمتنعُ السيرُ معه؛ لوجودِ قُطَّاعِ طريقٍ، أو وجودِ أمطارٍ أَفْسَدَتْهُ، أو ما أَشْبَهَ ذلك، ألا يُمْكِنُ أن نَصِلَ إلى مَكَّةَ من طريقٍ آخَرَ؟ بلى، هكذا المعاني، إذا انتفى دليلٌ من الأدلَّةِ لكن وَجَدْنَا دليلًا آخرَ، هل ننكرُ هذا المدلولَ؛ لأنَّ أحدَ الأدلةِ غيرُ قائمٍ؟ لا، نقولُ: ما دام هذا الدليلُ غَيْرَ قائمٍ فهناك دليلٌ آخَرُ؛ ولذلك هَدَى اللهُ أَهْلَ السُّنَّةِ والجماعةِ إلى القولِ الوسطِ: لا تمثيلَ ولا تعطيلَ.

قالوا: نُثْبِتُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ جميعَ ما وَصَفَ به نَفْسَهُ في القرآنِ، أو فيما صَحَّتْ به السُّنَّةُ، لاحظْ لا بُدَّ من القيدِ بالنسبةِ للسُّنَّةِ: فيما صَحَّتْ به السُّنَّةُ؛ لأنَّ من الأحاديثِ ما هو ضعيفٌ أو موضوعٌ، أمَّا القرآنُ فلا تَقُلْ: ما صحَّ في القرآنِ، فكُلُّهُ صحيحٌ، إنما السُّنَّةُ لا بُدَّ أن تُقُيَّدَ: ما صَحَّتْ به السُّنَّةُ.

نُثْبِتُ كُلَّ صفةٍ، ولا نتحاشى، ولا نَتَهَيَّبْ إذا كان اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أثبَتَ لنفْسِه يدًا، وقال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدةِ: ٦٤]، هل علينا أن نَتَهَيَّبَ من إثباتِ اليدِ؟ بل هل

<<  <   >  >>