للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس حُبي إيَّاه وبغضي إياكم بمانِعي من أن أقومَ فيكم بالعَدلِ، فقالوا: بهذا قامتِ السَّمواتُ والأرضُ (١).

وقد ذَكَرَ العلماءُ رَحَمَهُم اللَّهُ أَنَّه لو اجتمع مسلمٌ وكافرٌ في خصومةٍ بَيْنَ يديِ القاضي، فإنَّ الواجبَ عَلَيْهِ أن يَعْدِلَ بينهما في الجلوسِ، وفي النظرِ، وفي الكلامِ. يعني: لا يتكلَّمُ للكافرِ بغلظةٍ وينظرُ إليه شَذْرًا، وإنما يُعامِلُه كما يُعامِلُ المُسْلِمَ؛ لأنَّ العدلَ واجبٌ، ولا يَجوزُ في مقامِ الحُكمِ أن نُفَرِّقَ بيْنَ فلانٍ وفلانٍ؛ ولهذا قال: {وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ}.

الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: إعلانُ ما به الإلزامُ للخصمِ؛ لقولِهِ: {اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ}؛ يعني: وإذا كان رَبَّنا وربَّكُم فالواجبُ أن ننقادَ جميعًا لأوامِرِه.

فإن قال قائلٌ: وهل اللهُ تعالى رَبُّ للكافرين؟

فالجوابُ: نعم، ربُّ كلِّ شيءٍ، لكن لا يُضافُ إليه فيقالُ ربُّ الكافرين كذا، اللهمَّ إلا في مقامِ الإحتجاجِ؛ لأَنَّه وإن كان اللهُ تعالى خالقُ كلِّ شيءٍ، وربُّ كلِّ شيءٍ، لكن لا ينبغي أن تُضَافَ رُبُوبِيَّتُه وخَلْقُهُ إلى أقبحِ خَلْقِه، كما أننا نَعْلَمُ أنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَبُّ الكلابِ، وربُّ الخنازيرِ، وربُّ القردةِ، وما أَشْبَهَ ذلك، لكن لا نقولُ: ربُّ القردةِ، وربُّ الكلابِ، وما أَشْبَه ذلك، وهذه نُقْطَةٌ قد لا يَتَفَطَّنُ لها بعضُ الناسِ، وهو الأدبُ في التعبيرِ.

ويُذْكَرُ أن أحدَ الملوكِ رأى في المنامِ أنَّ أسنانَه ساقطةٌ، فدعا مُعبِّرًا يَعْبُرُ الرؤيا، فَعَبَرَها هذا العابرُ أنَّ حاشيتَه تموتُ وأهْلَه؛ لأنَّ الإنسانَ بأسنانِه يتغذى ويحفظُ


(١) أخرجه ابن حبان رقم (٥١٩٩)، والبيهقي (٦/ ١١٤)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>