للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قال قائلٌ: ما تقولون في قولِهِ تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: ٣٩]. هل يعارضُ ما قررناه من فوائدَ هذه الآيةَ؟

فالجوابُ: لا يعارضُ؛ لأنَّ اللهَ قال: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} يعني: أصْلٌ، فما في أمِّ الكتابِ لا يتغيَّرُ، وما لم يَكُنْ كذلك فإنه يتغيَّرُ، أليس اللهُ تعالى يقولُ: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}؟ [هودٍ: ١١٤]. فالسيئاتُ بعد أن كُتِبَتْ أتتِ الحسناتُ فَمَحَتْها، فالإنسانُ يُذْنِبُ فيكتبُ الذَّنْبَ ثم يستغفرُ فيمحى الذَّنْبُ، وأما ما في أصْلِ الكتابِ فإنه لا يتغيَّرُ؛ وعلى هذا فلا يعارضُ هذه الآيةَ وهي قولُهُ: {وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ}.

فإن قال قائلٌ: ما تقولون في الحديثِ الصحيحِ: "من أحبَّ أن يُبْسَطَ له في رزْقِه ويُنْسَأَ له في أثَرِه فَلْيَصِلْ رَحِمَه" (١)؛ فإن هذا يدلُّ على أن صلة الرحمِ سببٌ لكثرةِ الرزقِ وسببٌ لطولِ العمرِ، وأنتم تقولون: إن العمرَ مكتوبٌ، وإن الرزقَ مكتوبٌ؟

فالجوابُ: الرزقُ مكتوبٌ على هذا السببِ والأجلُ مكتوبٌ على هذا السببِ، فيكونُ اللهُ تعالى قد كتب أَجَلَ هذا مؤخرًا لصلةِ الرحِمِ، وَوَسَّعَ في رزقِ هذا لصلةِ الرحمِ، ويكونُ هذا معلومًا عند اللهِ، لكن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ ذكر هذا ترغيبًا في صلةِ الرحِمِ؛ لأنَّ الإنسانَ لا يعْلمُ ما كُتِبَ له في المستقبلِ؛ وحينئذٍ لا منافاةَ.

وأما من قال من العلماءِ: إن المرادَ بقولِهِ: "يُنْسَأُ له في أثَرِهِ" أن اللهَ يبارِكُ له في العمرِ. هذا غير صحيحٍ؛ لأنَّه خلافُ ظاهرِ الحديثِ، بل ظاهرُ الحديثِ أنه يؤخَّرُ،


(١) أخرجه البخاري: كتاب البيوع، باب من أحب البسط في الرزق، رقم (٢٠٦٧)، ومسلم: كتاب البر والصلة، باب صلة الرحم، رقم (٢٥٥٧)، من حديث أنس - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>