للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القسْمُ الأوَّلُ: مَنْ أَنْكَرَهُ، لكنَّهُ جعل اللهَ تعالى في كلِّ مكانٍ، يقولُ: اللهُ ليس فِي مكانٍ خاصٍّ في العلوِّ بل هو في كلِّ مكانٍ، وهذا رَأْيُ الجهميَّةِ الحُلوليَّةِ يُصَرِّحُون بهذا، يقولون: لا يُمْكِنُ أن يكونَ اللهُ تعالى عاليًا على كلِّ شيءٍ، بل هو في كلِّ شيءٍ، إن كنتَ في المسجدِ فهو في المسجِدِ، في المرحاضِ فهو في المرحاضِ - قَاتَلَهُمُ اللهُ وحَاشَاهُ من قولهِم -، ولهم شُبْهَةٌ.

القِسْم الثاني: عَكْسُ هذا تمامًا قال: لا يَجُوزُ أن نقولَ: إنَّ اللهَ في مكانٍ لا عالٍ ولا نازلٍ، بل هو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ليس فوق العالَمِ ولا تَحْتَه، ولا يمينَ ولا شِمالَ، ولا متصلٌ ولا منفصلٌ، ولا مباينٌ ولا محايثٌ، وهلمَّ جرًّا من الأمورِ السلبيَّةِ، هذا عكسُ الأوَّلَيْنِ تمامًا، وإني أسألُكُم باللهِ أين يكونُ الإلهُ إذا كان يُنْفَى عن كُلِّ هذا؟ ! يكونُ عَدَمًا؛ ولهذا قال محمودُ بنُ سبكتكين رَحِمَهُ اللَّهُ أحدُ القُوَّادِ المشهورين وهو يُناظرُ محمَّدَ بنَ فورك أحدَ المتكلِّمِين، لمَّا قال محمدُ بنُ فورك: "لا دَاخِلَ العالَمِ ولا خارجَهُ ... إلخ". قال له: "بَيِّنْ لي ما الفَرْقُ بَيْنَ العدمِ وبين رَبِّكَ الذي تَصِفُهُ بهذه الصفاتِ؟ " (١)، والجوابُ: لا فَرْقَ.

القِسْم الثالثُ: يقولون: إنَّ اللهَ تعالى عالِمٌ بذاتِهِ فوق كلِّ شيءٍ ولا يحيطُ به شيءٌ من مخلوقاتِهِ وعُلُوُّهُ لازمٌ لذاتِهِ، وهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بائنٌ من خَلْقِهِ بمعنى أنه ليس حالًّا فيهم، ولا هم حَالّون فيه.

وهذا مَذْهَبُ أهلِ الحقِّ الذي دلَّ عليه القرآنُ والسُّنَّةُ والعقلُ والفطرةُ والإجماعُ، خمسةُ أدلةٍ كُلُّهَا تدُلُّ على العُلُوِ الذاتيِّ، وهي أيضًا متنوعةٌ، يعني دلالةُ القرآنِ ليست آيةً واحدةً، ولا على وجهٍ واحدٍ متنوعةٌ، وكذلك في السُّنَّةِ، فالقرآنُ مملوءٌ من إثباتِ


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٣/ ٣٧)، ودرء تعارض العقل والنقل (٦/ ٢٥٣).

<<  <   >  >>