التَّرتيبِ والتَّراخي، وليست كالواوِ؛ لأنَّ الواوَ تقتضي التَّسويةَ، فهي في منزلةٍ بين منزلتين، فهل نقولُ: إنَّها كـ (ثُمَّ)؛ لأنَّها دالَّةٌ على التَّرتيبِ، أو إنَّها كالواوِ؛ لأنَّ ترتيبَها يقتضي التَّعقيبَ؟
الأوَّلُ هو الصَّوابُ؛ يعني: لولا اللهُ ففلانٌ؛ لأنَّك جعلْتَ فلانًا بعد اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وكونُهُ متراخيًا أو متعاقبًا هذا شيءٌ آخَرُ.
فإن قال قائلٌ: يُشْكِلُ علينا في هذه المسألةِ ما نُقِلَ عن ابْنِ عبَّاسٍ أنَّه كان يقولُ: قولُ القائلِ لولا الرُّبَّانُ لغَرِقَتِ السَّفينةُ كان يَعُدُّ هذا من الشِّرْكِ الأصغرِ (١) فما وَجْهُهُ؟
فالجوابُ: وجْهُهُ أمران:
أوَّلًا: الحديث رواه ابْنُ أبي حاتمٍ فيحتاجُ إلى تصحيحٍ.
ثانيًا: أنَّ ابْنَ عبَّاسٍ - رضي الله عنهُما - لعلَّه في وقتٍ النَّاسُ قريبون من الشِّرْكِ، فأراد أن يُشَدِّدَ في هذا الأمرِ حتَّى ينتهيَ النَّاسُ عنه؛ لأنَّ قولَ الرَّسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:"لولا أنا" واضحٌ أنَّه أضاف الشَّيءَ إلى سَبَبِه دون أن يَقْرِنَه بمشيئةِ اللهِ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ مَن هداه اللهُ فقد تولَّاه؛ لأنَّه لمَّا نفى الوَلايةَ عن الظَّالمين فإنَّها تَثْبُتُ للمؤمنين، وبذلك جاء التَّصريحُ في قولِهِ تعالى:{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة: ٢٥٧].
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّه ينبغي للإنسانِ أن يُلِحَّ على اللهِ دائمًا أن يَهْدِيَهُ من الضَّلالِ؛ لأنَّه إذا كان المَرْجِعُ في الإضلالِ إلى اللهِ فإلى من نلتجئُ؟ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فما دام