للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"أَطَّتْ" يعني: صار لها صريرٌ كصريرِ الرَّحْلِ المحملِ، الرَّحْلُ على البعير إذا ثَقُلَ الحِمْلُ صار له صريرٌ مع حركةِ السيرِ، فالسماءُ لها هذا من كثرةِ من عليها من الملائكةِ؛ ولهذا قال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "حُقَّ لَهَا أن تَئِطَّ".

إذن الملائكةُ تفسيرُهُم: عالمٌ غيبيٌّ، خَلَقَهُم اللهُ تعالى من نورٍ، كما ثَبَتَ عن النبيِّ (١) عَليْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وهو سَخَّرَهُم لعبادتِهِ، يُسَبِّحُون الليلَ والنهارَ لا يَفْتُرُونَ إذا أَمَرَهُم اللهُ بشيءٍ، لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُم، ويَفْعَلُون ما يُؤْمَرون، ضِدَّهُم الشياطينُ، فالشياطينُ: عالمٌ غيبيٌّ، خُلِقُوا من نارٍ، عُصَاةٌ للهِ، مستكبرون عن عبادتِهِ، وأبوهم الشيطانُ الأكبرُ إبليسُ.

فإذا قال قائلٌ: أنتم قلتم: إنهم عالمٌ غيبيٌّ، أليس جبريلُ قد شاهَدَهُ النبيُّ - صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ - على خِلْقَتِهِ وله ستُّ مئةِ جناحٍ قد سدَّ الأفقَ (٢)؟

فالجوابُ: بلى، لكنَّ هذا لا ينافي أن يكون عالمًا غيبيًّا في الأصلِ، يعني: قد يُظْهِرُهُم اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيراهم الناسُ وقد يتشكَّلون أيضًا، يكونُ المَلَكُ بصورةِ الآدميِّ، كما جاء جبريلُ مرةً بصورةِ رجلٍ غريبٍ، لكنه لا يُرَى عليه أثرُ السفرِ، وجاء مرةً بصورةِ دِحْيَةَ الكلبيِّ، فهم قد يتشَكَّلون بصُوَرِ الآدميِّ.

فإن قال قائِل: هذا التشكُّلُ هل هو بإرادتِهِم، أو من اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟

فالجواب: السؤالُ عن هذا بدعةٌ، يعني: هل لنا مصلحةٌ أن نَعْرِفَ أن جبريلَ


(١) أخرجه مسلم: كتاب الزهد والرقائق، باب في أحاديث متفرقة، رقم (٢٩٩٦)، من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم: آمين، رقم (٣٢٣٢)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب في ذكر سدرة المنتهى، رقم (١٧٤)، من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>