للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا} قال المفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ: [أي: الرُّوحَ أو الكتابَ] يعني: جعلنا الكتابَ الَّذي أَوْحَيْنا إليك أو الرُّوحَ الَّذي أَوْحَيْنا إليك، والمعنى لا يَختلفُ.

وقوله: {نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} اللهمَّ اهْدِنا به! النُّورُ يَهْتَدي به النَّاسُ، ومنه قولُ الخنساءِ في أخيها:

وإن صخرًا لتأتمُّ الهُداةُ به ... كأنه عَلَمٌ في رَأْسِه نارٌ (١)

يعني: أنَّ النَّارَ تَجْعَلُ علامةً على الشَّيءِ إذا كان النَّاسُ في البَرِّ أَوْقَدُوا في اللَّيلِ نارًا على رأسِ جَبَلٍ أو على رأسِ أَكَمَةٍ؛ حتَّى يهتديَ بها من يُرِيدُهم. يقولُ: {جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ} [الشُّورَى: ٥٢] نَهِدي بهذا النَّورِ من نشاءُ وهذا مبنيٌّ على حكمةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كما قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان: ٣٠] فالحريُّ أن يُهْدى بهذا النُّورِ من تَمَسَّكَ به وعَمِلَ بما فيه، تصديقًا للأخبارِ، وتنفيذًا للأحكامِ، من فَعَلَ هذا صار القرآنُ له نورًا يهتدي به، كما قال اللهُ تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [مُحَمَّدٍ: ١٧]. وأمَّا من أَعْرَضَ عنه - والعياذُ باللهِ - فإنَّه سيَكونُ حُجَّةً عليه ولا يَنْتَفِعُ به.

وقوله: {نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} قولُهُ: {مِنْ عِبَادِنَا} هل المرادُ العبوديَّةُ العامَّةُ أو الخاصَّةُ؟

الجوابُ: {نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} هذه تَقْسِمُ النَّاسَ إلى قِسْمَين: مهتدٍ وضالٍّ، فيكونُ {مِنْ عِبَادِنَا} المرادُ به العبوديَّةُ العامَّةُ؛ لأنَّه جَعَلَ العبوديَّةَ هذه قِسْمَيْنِ


(١) ديوان الخنساء ط دار المعرفة (ص: ٤٦).

<<  <   >  >>