للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولَهُ: {عَرَبِيًّا}؛ أيْ: بلسانِ العربِ، والعروبةُ هنا هل هي عروبةُ النَّسبِ أو عروبةُ اللسانِ؟

الجوابُ: الظاهرُ أنها عروبةُ اللسانِ، لكنَّ حقيقةَ الأمرِ أن عروبةَ اللسانِ أصلُها عروبةُ النسبِ، إذ إن اللغةَ العربيةَ وإن تَكَلَّمَ بها من ليس بعربيٍّ هي أصلُها من عروبةِ النسبِ؛ ولذلك أولئك القومُ الذين من فارسَ والرومِ نقولُ: هم عربٌ لسانًا وليسوا عربًا نسبًا، فهل يَلْحَقُهُم مدحُ العربِ؟

الجوابُ: لا يَلْحَقُهُم؛ لأنَّ المدحَ في العربِ إنما هو عربُ النَّسبِ، أما الوصفُ الذي هو عربُ اللسانِ فلا يستحقُّ هذا المدحَ؛ ولهذا أشرفُ الناسِ نسبًا عربُ النّسبِ، هنا يُشارُ إلى هذا.

وبَيَّنَّا فيما سَبَقَ أن اللهَ تعالى أَجْمَلَ ثم فَصَّلَ فقال في أولِهِ: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ} [الشورى: ٣] وهنا قال: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الشورى: ٧]، وأضاف الإيحاءَ إليه عَزَّ وَجَلَّ لأن الأمرَ مُهِمٌّ جدًّا، والموحى به هو أشرفُ الكلامِ {قُرْآنًا} قلنا: إن {قُرْآنًا} مَصْدرٌ كالغفرانِ والشكرانِ، وهل هو بمعنى اسمِ الفاعلِ أو بمعنى اسمِ المفعولِ؟ أيْ: هل المعنى أنه قارئٌ أو المعنى أنه مقروءٌ؟

ذَكَرْنا أنه يجوزُ فيه الوجهان، أما كونُهُ قارئًا؛ فلأنه جامعٌ لجميعِ الكمالاتِ في الكلامِ ومنه القريةُ؛ لأنَّها تَجْمَعُ الناسَ.

وأما كونُهُ بمعنى مفعولٍ؛ فلأنه يُقْرَأ ويُتْلَى، وكلاهما وصفٌ صالحٌ للقرآنِ، ولا يُنافي بعضُهُما بعضًا، وعلى هذا فَيُحْمَلُ على المعنييْن جميعًا، كما هي القاعدةُ بالتفسيرِ، وفي الحديثِ النبويِّ إذا كان يَحَتْمِلُ معنييْن لا مُرَجِّحَ لأحدِهِما على الآخَرِ وليس بينهما منافاةٌ، فالواجبُ أن يُحْمَلَ عليهما جميعًا.

<<  <   >  >>