للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{قُرْآنًا عَرَبِيًّا}؛ أي: بِلُغَةِ العربِ، والمرادُ بِلُغَةِ العربِ نُطقًا أو نَسَبًا؟ الأصلُ نَسَبًا؛ لأنَّ لغةَ العربِ انتشرتْ بعد الفتوحاتِ الإسلاميَّةِ وإلا كانت في الجزيرةِ فقط، ثم قال: {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى} [الشورى: ٧]، اللامُ للتعليلِ، والمعلَّلُ هو قولُهُ: {أَوْحَيْنَا} وعلى هذا فاللامُ متعلقةٌ بقولِهِ: {أَوْحَيْنَا}. {لِتُنْذِرَ} قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [لِتَخَوُّفِ، {أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الشورى: ٧]، أي: أهلَ مكَّةَ وسائرَ الناسِ].

قولُنا: {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى} هي مكَّةُ، وسُمِّيَتْ بذلك؛ لأنَّها جامعةٌ للقرى إذ إنَّ جميعَ القُرى تأوي إليها، ولا شكَّ أن المسلمين كُلَّهُم يتجهون إلى أُمِّ القُرى؛ لأنَّ الكعبةَ فيها، وهي أيضًا تَجْمَعُ القرى من جهةِ أنه يَجِبُ على كلِّ المسلمين أن يَحُجُّوا هذا البيتَ من استطاع إليه سبيلًا؛ لقولِهِ تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} - أو "حَجُّ البَيْتِ" قراءتانِ سَبْعِيَّتَانِ {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: ٩٧].

إذن سُمِّيَتْ أُمُّ القُرى؛ لأنَّها تَجْمَعُ جميعَ القرى، والقرى هنا المُدُنُ؛ لأنَّ القريةَ البلدُ الصغيرُ عُرفًا، أمَّا لغةً فإنَّ القريةَ تُطْلَقُ حتى على المدينةِ الكبيرةِ، كما قال اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ} [محمد: ١٣].

وقولُهُ: {وَمَنْ حَوْلَهَا} يقولُ المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ أنَّ المرادَ بمن حَوْلَهَا: [سائرُ الناسِ]، وهذا التفسيرُ وإن كان معناه صحيحًا؛ لأنَّ رسالةَ النبيِّ - صلَّى اللهُ عليه وعلى اَلِهِ وسلَّمَ - بَلَغَتْ جميعَ الناسِ، ومن لم تَبْلُغْهُ فَسَتَبْلُغُه، ولكنَّ ظاهرَ اللفظِ خلافُ ذلك؛ لأنَّ ما حَوْلَ الشيءِ فهو القريبُ منه، وحينئذٍ يبقى في الأمرِ إشكالٌ، فإنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مبعوثٌ إلى جميعِ الناسِ. ولكنْ يقالُ: لا إشكالَ فهو كقولِهِ تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} [الجمعة: ٢]، وهو مبعوثٌ لكلِّ الخَلقِ؛ ولهذا قال: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: ٣].

<<  <   >  >>