للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن جهةٍ أخرى: أن النهيَ قد يمتثلُهُ الناسُ وقد لا يمتثلُونه، لكنَّ النفيَّ هنا أَوْضَحُ؛ أولًا: لمطابقتِهِ لظاهرِ اللفظِ. يعني ظاهرُ اللفظِ النفيُ.

وثانيًا: أنه يعطي أن هذا اليومَ موصوفٌ بانتفاءِ الريبِ فيه، فيكونُ مَنِ ارتابَ مخالفًا للواقعِ.

قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{فَرِيقٌ} منهم {فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} النارُ] {فَرِيقٌ} مبتدأٌ و {فَرِيقٌ} الثاني مبتدأٌ، ومن كان عارفًا بالنحو فسيقول: في هذا إشكالٌ وهو الإبتداءُ بالنكرةِ، فالإبتداءُ بالنكرةِ غيْرُ جائزٍ؛ لأنَّ المبتدأَ محكومٌ عليه، فإذا قلتَ: زيدٌ قائِمٌ، فقد حكمْتَ على زيدٍ بالقيامِ، والمحكومُ عليه لا بُدَّ أن يكون معروفًا، فإذا كان نكرةً فأيُّ فائدةٍ في الحُكمِ عليه انتبهوا، فكلامُ النحْويين في أنه لا يَجوزُ الإبتداءُ بالنكرةِ هذا تعليلُهُ؛ لأنَّ المبتدأَ محكومٌ عليه، والمحكومُ عليه لا بدَّ أن يكونَ معرفةً معلومًا، فهنا ابتُدِئَ بالنكرةِ، يقولُ النحْويون: إن المسوِّغَ للإبتداءِ بالنكرةِ في هذه الآيةِ هو التقسيمُ، والتقسيمُ يفيدُ: فريقُ {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ} أي: نَوْعٌ من الناسِ في الجنةِ، ونوعٌ من الناسِ في السعيرِ، فالتقسيمُ يبيحُ الإبتداءَ بالنكرةِ، ومنه قولُ الشاعِرِ:

فيَوْمٌ عَلَيْنا ويَوْمٌ لنا ... ويَوْمٌ نُساءُ ويَومٌ نُسرُّ (١)

هذا مبتدأٌ نكرةٌ، لكنه فيه التقسيمُ، فيكونُ المسوِّغُ للإبتداءِ بالنكرةِ هنا هو التقسيمُ.

فقوله: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} وفريقُ السعيرِ أكثر، كما جاء في


(١) البيت للنمر بن تولب، انظر: الكتاب لسيبويه (١/ ٨٦)، وشرح الكافية الشافية لابن مالك (١/ ٣٤٦).

<<  <   >  >>