للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللغةِ العربيَّةِ؛ لأنَّ الإسلامَ مع الأسفِ الشديدِ بمعاصي أهلِهِ خُذلوا وذَلُّوا، وكانوا من أذلِّ الأممِ إن لم أَقُلْ: أذلُّ الأممِ، أنا أقولُ: أذلُّ الأممِ ولا أبالي؛ لأنَّ عند المسلمين من الثرواتِ العظيمةِ، والمعادنِ العظيمةِ، والأماكنِ الفسيحةِ والواسعةِ ما إذا قِسْنَاه بحالهم وَجَدْنا أنهم أذلُّ الأممِ، من يكونُ عنده هذه الثرواتُ، ثم يَتَخَلَّفُ هذا التخلُّفَ، حَفْنَةٌ من اليهودِ تَلْعَبُ بعقولهِمِ ليلًا ونهارًا - ولو قلتَ: أممٌ من النصارى يلعبون بهم -، ولو كان لهم عزَّةٌ لكانوا هم الذين يتحكمون في الناسِ، ويقاتلونهم حتى يكونَ الدينُ كُلُّه للهِ، لكن لمَّا ذُلُّوا ذَلَّتْ لُغَتُهُمْ، الآنَ تجدُ المتاجرَ في البلادِ بلادِ العربِ في مُدُنِنَا في قُرَانا تجدُها مملوءةً باللافتاتِ باللغةِ غيرِ العربيَّةِ، أحيانًا تجدُ المتاجرَ كأنك في سوقِ لندن، إلا أن يشاءَ اللهُ، كلُّ هذا من الذلِّ.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: إثباتُ حِكمةِ اللهِ، تُؤْخَذُ من قولِهِ: {لِتُنْذِرَ}؛ لأنَّ اللامَ هنا للتعليلِ، وكلما وجدْتَ لامَ التعليلِ في القرآنِ فإن فيها إثباتَ حكمةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وحينئذٍ نَعْلَمُ أن جميعَ ما يَفْعَلُه اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أو ما يَشْرَعُه فهو لحِكْمَةٍ.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: الإقتصارُ على أحدِ موضوعَيِ الرسالةِ إذا اقتضتِ الحكمةُ ذلك، وجْهُهُ: أنه قال: {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} ولم يَذْكُرِ البشارةَ، مع أنَّ اللهَ تعالى في مواضعَ كثيرةٍ يَذْكُرُ الإنذارَ والبشارةَ {لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} [مريم: ٩٧]؛ لأنَّ السياقَ مع قريشٍ، وقريشٌ عتاةٌ معتدون، فناسَبَ ذِكْرُ الإنذارِ دون ذكرِ البشارةِ؛ لأنك إذا رأيتَ شخصًا معتديًا فأنت تحاولُ استقامتَه بالإنذارِ أولًا، وهذا من بلاغةِ القرآنِ أن يجعلَ كلَّ شيءٍ في موضِعِه.

الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ملزمٌ بإنذارِ أمِّ القرى إلزامًا أوليًّا؛ لقولِهِ: {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى} وما سواها إنذارًا ثانويًّا.

<<  <   >  >>