للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن هذا على سبيلِ المبالغةِ؛ يعني: إذا لم يَكُنْ لمِثْلِهِ مِثْلٌ، لو فُرِضَ أن له مثلًا، فمن بابِ أَوْلَى ألا يكونَ له هو مِثْلٌ، وأن هذا مما جرى على لسانِ العربِ في المبالغةِ في الوصفِ. وأنشدوا على ذلك:

ليس كمِثْلِ الفتى زُهَيْرٍ ... ................. (١)

من المبالغةِ؛ يعني هذا لا نظيرَ له إطلاقًا، وهذا الأخيرُ والأوَّلُ هما أقربُ الأقوالِ في إعرابِ هذه الجملةِ.

لكن من حيثُ المعنى والإعتقادُ نؤمنُ بأنَّ اللهَ تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} لا في ذاتِهِ، ولا في صفاتِهِ، ولا في أفعالِهِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} في كلِّ شيءٍ، يجبُ علينا أن نُؤْمِنَ بهذا، فذاتُهُ مخالِفَةٌ لجميعِ الذواتِ، نحن نرى الذواتِ مختلفةً، الإنسانُ مُرَكَّبٌ من عَظْمٍ ولحمٍ وعَصَبٍ ودمٍ، هناك أشياءُ مُرَكَّبَةٌ من جواهرَ أخرى.

الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ مُبَايِنٌ لكلِّ شيءٍ موجودٍ في الكَوْنِ في ذاتِهِ، لا تَقُلْ مثلًا: إنه مثلُ الذَّهَبِ، مثلُ الفِضَّةِ، وما أَشْبَهَ ذلك؛ ولهذا لمَّا قال المشركون للرسولِ: يا مُحَمَّدُ، هل رَبُّكَ من ذَهَبٌ، أو من فضَّةٍ، أو من كذا، أو من كذا؛ أنزل اللهُ قولَهُ تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (٢).

فلا تَتَصَوَّرْ ذات الرب جلَّ وعَزَّ أبدًا؛ لأنك مهما تَصَوَّرْتَ على أيِّ شيءٍ


(١) ذكره أبو حيان في البحر المحيط (٩/ ٣٢٦)، والسمين الحلبي في الدر المصون (٩/ ٥٤٥) منسوبًا لأوس بن حجر، وانظره غير منسوب في درء تعارض العقل (٧/ ١١٤).
(٢) أخرجه الإمام أحمد (٥/ ١٣٣)، والترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الإخلاص، رقم (٣٣٦٤، ٣٣٦٥)، من حديث أبي بن كعب - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>